لو نطق الشارع المزدحم بالسيارات أثناء فترة الذروة في كل صباح لاشتكى من تمشيط عامل نظافة له ذهاباً وإياباً، ورجانا أن نتركه بلا أوساخ فيه، فالعامل الذي ينتظر وقوف السيارات خلف إشارة المرور ليبدأ بتفرس الوجوه بطريقة تدعوا إلى ترك الشارع نظيفاً، ويكتفي بتصنعه أنه منهمك في التنظيف، ليرسل بين سيارة وأخرى نظرة تجبر سائقين على مراعاته في عمله، بينما لا يكترث بها آخرون، إلا أن حالته تدفع بالبعض إلى إكرامه بقليل من الريالات تعبيراً عن شكرهم لما يقوم به. لا يطلب المال ولا يستجدي بلسانه، بل يكفيه الانهماك في العمل، ويزيد لمن يساعده بأن يطلب من السائقين أن يأخذ الأوساخ من سياراتهم، ليلحقها بعضهم ببعض المال وقليل من الطعام والشراب، والوجه ذاته يتكرر في كل يوم وفي المكان نفسه، وفي حين يرى البعض أن السائقين يشجعون طريقة حديثة للتسول المصبوغ بالتعفف الزائف، يرى البعض الآخر أن العمال لا يجبرون أحداً على الدفع ولا يطلبون المال، فهم في محاذاة المقبول يقومون بعملهم. يقول عبدالسلام الصليح: «كان قبل أعوام عند جسر الملك فهد الرابط بين المملكة والبحرين، عمال يتنقلون بين السيارات المغادرة إلى مملكة البحرين، ينظفون الساحات في مختلف الظروف، حتى أن بعضهم يطلب الأوساخ وبقايا الطعام ليخلصوا السيارات منها، وامتناناً وعطفاً من السائقين يقدمون معها بعض النقود، وهم لا يعرفون أنهم قد يسهموا في تحولها إلى حال من التسول، إلا أن المتحقق منها هو أن العمال يقومون بواجبهم من التنظيف من دون أن يشعر بهم أحد». ويوضح: «الغريب أن بقايا الطعام حتى وإن كان مغلفاً لا يغري العمال، وبعيني رأيت أحدهم يضع الأكل جانباً في انتظار ما سيدفعه سائقو السيارات القادمون والمزدحمون في منافذ الجسر»، مضيفاً: «استحالة أن تجد عاملاً يطلب المال صراحة، حتى لا يحسب أنه متسول، وبنظرات بريئة وهندام بسيط وعبارات عابرة يكسب نقوداً تساعده إضافة إلى راتبه». وينقل سالم الزهراني رأيه، فيقول: «مشاهداتي لهم كانت أمام مجمعات المطاعم والمحال التجارية والأسواق، تجدهم يجلسون وهم يحملقون في المتسوقين والمارة، وآخرون يجلسون في الشمس ليضيفوا شيئاً من الدراما التي تدر العطف فيضع المارة في أيديهم بعض المال، وهو مشهد لم نعتد عليه». ويوضح أن «عمالاً يختارون أوقات الصلاة ليبدؤوا عملهم النشط قرب المساجد، وبخاصة يوم الجمعة، ويركز عملية التنظيف بالقرب من تجمعات الناس، وبعنوان: «عامل مسكين فقير ومجتهد» تبدأ الهبات والتبرعات التي شجعت كثيراً منهم على هذه الطريقة». ويقول عبدالله العبيدان: «أصبح في الأمر نوعاً من التسول، فهم يتنقلون من سيارة إلى أخرى ينظفون بالقرب منها ونظرهم إلى السائق الذي إما أن يتأثر فيمنحهم ما يسميها صدقة، وإما أن يعطيهم أوساخ سيارته بابتسامة»، مضيفاً: «استوقفني موقف عامل بالقرب من شارع رئيس حين كان ينظف جزءاً من أوساخ الطريق، يتلقى صدقات من السيارات التي تتوقف بالقرب منه»، ربما هذه تساعده في تنظيف الشارع وتمشيطه مرة تلو المرة»، وقال: «ربما ينظر إليها البعض على أنها نوع من الاستجداء إلا أن الحقيقة هي أنه لم يمد يده، ولا ننسى أن رواتبهم متدنية جداً، وما يحصلون عليه فهو بالتأكيد يشجعهم على القيام بعملهم». ويقول: «أنا لا أعمم على جميع العمال، وهذه التصرفات فردية، ولم تصبح ظاهرة، وأنا في تصوري الخاص أجد أنها إذا وصلت إلى أن تصبح ظاهر فمن السهل التخلص منها بتوقف السائقين عن إعطائهم ثم مراقبي هؤلاء العمال»، مضيفاً «للأسف كثيرون من متعهدي النظافة لم يقوموا بتطوير آلياتهم في التنظيف، أصبحت آلات التنظيف متطورة جداً وتساعد العمالة في التنظيف بصورة أسرع وأكثر إتقان»، وطالب الأمانات في المناطق بفرض أنواع متطورة من آليات التنظيف على المتعهدين، التي تحقق الجودة في العمل وتقلل الأيدي العاملة.