يطوّع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» السويسري جياني إنفانتينو شبكة علاقاته لفرض نهجه في المؤسسة الكروية. فبعد مرور عام على تسلّم مقدرات المنصب إثر الانتخابات التي أجريت في زوريخ في 26 شباط (فبراير) 2016، يقارن كثر بين أداء إنفانتينو وسلفه مواطنه جوزف بلاتر، مقارنة خلاصتها أن الرئيس الحالي يحمل مزايا بلاتر في بداياته على رأس «فيفا». وعلى غراره، يتقن إنفانتينو (47 سنة)، الطَّموح منذ صغره، فن التواصل (يتكلم 6 لغات) لفرض شخصيته والتأثير في الآخرين، وإن كانت العقلانية في خياراته تتقدّم على العواطف. والإيطالي الأصل الذي قطن أهله في بريغ حيث ولد في 23 آذار (مارس) 1970 على بعد 9 كيلومترات من فيياج مسقط رأس بلاتر (البلدتان في كانتون فاليه)، يتحدّر مثله من عائلة متواضعة، فوالد بلاتر كان عاملاً بسيطاً ووالد جياني موظفاً في شركة عربات قطار، وعلى غراره رسم مسيرته وها هو ينفّذ مراحلها. وتميّز العام الأول من ولاية إنفانتينو في «فيفا» بقرار رفع عدد منتخبات نهائيات مونديال 2026 إلى 48 منتخباً، مستخدماً لذلك حجج الإقناع ومستلزماته، وذخيرته «جولات مكوكية» في قارات مختلفة متحدّثاً بلغة الصداقة والشراكة لكسب الثقة. وفي المقابل، تخطى الشركاء الأوروبيين، الذين عهدوا إليه سابقاً بالأمانة العامة لاتحادهم، ولم يأخذ دائماً برأيهم أو يقف على مطالبهم، سيما وأن كثراً من أعضائه كانوا يتوسمون فيه رئيساً عتيداً ل «فيفا» لكن بعد 10 سنوات. وإذا كانت الصدف وجرأة إنفانتينو لعبت دوراً في ما بلغه، ففي جانب منها حظ وعناية إلهية، فقد وضعته أمه ماريا قبل أوانه واحتاج إلى عملية نقل دم طارئة من فئة نادرة، إذ أبلغت أن 18 شخصاً في العالم فقط يستطيعون إنقاذ حياته، وجاءها «الترياق» من رجل من بلغراد وسيدة من بريستول، ونقلت عينتا الدم بواسطة مروحية إلى مستشفى بريغ. وفي اليوم التالي (28 آذار) صدرت صحيفة «بليك» السويسرية وصورة «الطفل النجم» على صفحتها الأولى. وفي خضم المحنة، صلّت ماريا كثيراً وأسمت طفلها جياني وهو تصغير لجوفاني، تيمناً باسم بابا الفاتيكان جوفاني ال23 (يوحنا ال23). وقتذاك كان بلاتر في سن ال34 يحمل ديبلوماً في العلوم الاقتصادية من لوزان ويعمل مديراً في «نوشاتيل كزاماكس». كذلك لم تكن ولادة بلاتر «طبيعية» تماماً، إذ وضعته أمه في الشهر السابع وهي تنشر الغسيل. ولطالما ردد في إطار التودد أو الغمز من قناة بعضهم، أنه ولد أبكر من اللازم ونضج قبل الآخرين. قطنت عائلة إنفانتينو في منزل مجاور لمحطة قطارات في بريغ (13 ألف نسمة)، فعاين في سنواته الأولى انطلاقها إلى العالم، ما ولّد لديه حب التفتيش دائماً عن آفاق رحبة. كما لاحظ مجايلوه، ومنهم رينالدو أرنولد، رئيس نادي بريغ الذي يضم 20 فريقاً للشبان، أنه فتن بالتنظيم والإدارة منذ صغره، فقد أسس في سن ال15 فريقاً لكرة القدم انخرط فيه أبناء مهاجرين من إيطاليا (أف سي فولغو) في المدينة التي تعاني من الجليد شتاء، غير أنه يمنح أبناءها صلابة ملحوظة. وإذا كانت فيياج كرّمت «ابنها البار» بلاتر فأطلقت اسمه على مدرستها، فإن بريغ باتت تشتهر بخبز خاص يحمل اسم إنفانتينو مصنوع من حبوب الجاودار (الشيلم) والزيتون والطماطم المجففة. ووفق خبراء، فإن إنفانتينو الحيوي، على غرار سلفه، أدرك سريعاً أهمية المنصب الذي يشغله، والتي تفوق أحياناً مناصب رؤساء دول، وهنا مكمن الخطر. غير أن مكابح الإصلاح التي أطلقت منذ أن ضربت الفضائح بيت «فيفا» تجعله مطالَباً بأن تكون الأخلاق فعل ممارسة يومية وليست مجرّد كلمة شاعرية.