بدءاً من شارع المنصور، ومروراً بأحياء الطندباوي وسوق البرنو، وليس نهاية بجبل غراب وحوش بكر، تنطلق نفرة أخرى وقوافل جديدة غير قوافل الحجيج المألوفة، كلها تتحرك نحو اتجاه واحد وفي وقت واحد، يبدأ مع إشراقة الشمس من مشعر عرفات، في مشهد مهيب لايشاهده إلا الذي يعيش وسط هذه الأحياء التي تعج بالجاليات «الأفريقية» متعددة الجنسيات. الحاجة عيشة سليمان أو كما تحب أن يطلق عليها، امرأة من الجنسية النيجيرية من ساكني «سوق البرنو» أحد الأحياء القريبة من الحرم المكي الشريف باتجاه الغرب، كانت ممن التحق بهذه المواكب المهاجرة، وحجزت لها ولبناتها الصغيرات الثلاث مقعداً بين القوافل الذاهبة إلى مشعر عرفات، بغرض البيع والتكسب من هذا اليوم الذي يعد يوماً تجارياً مقدساً عند غالبية سكان مكةالمكرمة، خصوصاً المقيمين منهم، والذين يرون في هذا اليوم فرصة نادرة لا تتكرر إلا مرةً واحدةً كل عام. وأكدت «المرأة النيجيرية» (التقتها «الحياة» وهي تستعد لحزم بعض الأمتعة والأواني المنزلية المصنوعة من الخشب بغرض بيعها في عرفات)، أنها تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، نظراً إلى الدخل المادي الكبير الذي ستجنيه من مردود بيعها الذي يبدأ مع ساعة الإشراق وحتى غسق الليل، وقالت: «أبدأ منذ فترة طويلة بالاستعداد لهذا اليوم الذي أعتبره جديراً بالاهتمام، نظراً إلى أنني أبيع فيه كل ما يمكن أن أبيع، خصوصاً أنني أمتهن صنع بعض الأدوات المنزلية من الخشب، التي تخصص للأكل والشراب»، مضيفةً أنها جمعت ما يقرب من 70 أداة من تلك الأدوات لبيعها جميعها خلال هذا اليوم فقط. وشددت على أنها لا تبيع أوانيها إلا لأبناء جاليتها من الجنسية النيجيرية الذين قدموا للحج من هناك، سواء كانوا نساء أو رجالاً، مشيرة إلى أن حجاج قبيلتها وهم من قبائل «الهوسة» الإفريقية يعتبرون ما يشترونه من مكة ومن المشاعر المقدسة خصوصاً عرفات، أمراً مقدساً يسافرون به إلى بلادهم، ويحتفظون به، ويعتبرونه ذكرى لا تمحو أبداً. وعن بناتها الثلاث، ولماذا تصحبهن معها جميعاً، أكدت أنها تأخذهن معها لمساعدتها في حمل الأمتعة والأواني المخصصة للبيع، إضافةً إلى هدف تعليمهن عملية البيع والشراء وكيفية التعامل مع الزبائن، وزادت: «فضلاً عن كل ذلك فإنني أعتبر أن أخذي لهن خلال هذا اليوم أمراً عظيماً، وذكرى جميلة تترسخ في قلوبهن وهن يشاهدن ملايين الناس والحجاج في موقف واحد». ولا يعد هذا الأمر غريباً على سكان مكة، بل إنه بات مألوفاً لديهم خصوصاً عند ساعات الصباح الأولى من يوم التاسع من ذي الحجة، ويصبح الأمر عادياً جداً، ولا غرابة فيه وأنت تشاهد مئات الأرتال من المركبات بمختلف الأنواع وهي تحمل الأفارقة من الجنسين، وقد ملئت تلك المركبات بمختلف الأواني والبضائع بهدف البيع والتكسب خلال هذا اليوم. وعلى جانب آخر، وغير بعيد كانت الحاجة زينب عثمان تستعد للملمة بعض الأطعمة والأشربة الشعبية التي يحبذها أبناء قبيلتها الوافدون للحج، تبرز في مقدمها «المديدة» و«القودو أودو» وبعض الأكلات التي يعشقها أبناء الجالية النيجيرية. وقالت ل «الحياة»: «منذ بداية شهر ذي الحجة، وأنا أبدأ في جمع مواد الأطعمة التي يحبها أبناء قبيلتي، وعندما يحين موعد الصعود إلى عرفات، أبدأ في إعدادها وطهيها حتى أقدمها لهم أثناء وجودهم في عرفات»، مؤكدةً مدى الفرحة التي تغمرها وهي ترى أبناء قبيلتها وهم سعيدون بوجود هذه الوجبات في محيط إقامتهم وتنقلاتهم. وشددت زينب على أنها لا تأخذ إلا القليل من المال نظير تقديمها هذه الخدمات من الأطعمة والأشربة خلال يوم عرفة، لا فتةً إلى أنها لا تعمل في الأيام الأخرى، نظراً إلى خوفها من الوقوع في أيدي رجال الأمن، وأضافت: «لا أعمل إلا يوم عرفات نظراً إلى كثرة الناس، وعدم التفات رجال الأمن لنا، لكننا نتوقف عن العمل في منى، وننتظر الحجاج لحين قدومهم إلى مكة وعودتهم إلى مقار إقامتهم في العمارات والبنايات لبيعهم ما يحتاجون من طعام وشراب».