لدى تأمل اللوحة الدينية الاجتماعية في شبه الجزيرة العربية في القرن السادس للميلاد ومن خلال التنوع الكبير للمذاهب الدينية في المنطقة آنذاك نستطيع أن نلحظ تياراً توحيدياً خالصاً بعيداً كل البعد عن عبادة الأرباب والتقرب للأصنام. تياراً لا يزال محاطاً بالغموض إنه تيار الحنفاء أو أحناف الجاهلية الذين عدّهم بعض الباحثين المعاصرين بحق الحلقة المفقودة في سياق تطور الفكر الديني قبل الإسلام. وهذا ما يحاول عماد الصباغ بحثه في هذا الكتاب الصغير الحجم (125 ص) الصادر عن «دار الكلمة للنشر والتوزيع» في سورية، والذي يحمل العنوان الرئيسي: «الأحناف» وعنواناً فرعياً: دراسة في الفكر الديني التوحيدي في المنطقة العربية قبل الإسلام، بحثه ملقياً الضوء على تلك الفئة في جزيرة العرب والتي كانت مقدمة لظهور الإسلام، ومعتمداً على قليل مما ورد عند الإخباريين. تبدأ مقدمة الكتاب في استعراض تساؤلات عن من هم الحنفاء؟ هل كانوا مجرد أفراد موحدين بالله يدعون إلى نبذ العبادات الجاهلية والابتعاد عن الأصنام مثلما يرى معظم المؤرخين والباحثين؟ أم أنهم كانوا فرقة دينية لها طقوسها العبادية وعمقها التوحيدي الخاص وكتبها وأنبياؤها؟ وما المصادر الفكرية الدينية التي استقى منها هؤلاء عقائدهم وصاغوا طقوسهم؟ هل هم نصارى جزيرة العرب، أم فرقة من فرقها اليهودية، أم أنهم تيار ديني وليد استقى معارفه من محيطه الغني بالمذاهب والعبادات وصاغ مشروعه التوحيدي الخاص الذي ينحو باتجاه استبدال التوحيد بالتعدد على المستويين الديني والسياسي؟ قبل أن يدلف القارئ إلى أبواب الكتاب الثلاثة، إذ احتوى الباب الأول على تعريف عام لحنفاء ما قبل الميلاد والتوحيد في الشرق العربي القديم حتى النبي إبراهيم الخليل عليه السلام حنيفاً، فيما ركز البحث في الباب الثاني على حنفاء الجاهلية وأعلامهم كما حدثنا عنهم الرواة وفكرهم كما ورد في الشعر والنثر الجاهليين، وهل هم أفراد أم جماعات دينية؟ وفي الباب الثالث يستعرض المصادر الفكرية للحنفاء مبتدئاً بقنوات التفاعل الذهني في شبه الجزيرة قبل الإسلام، ويختم بحوار عقيدي بين الحنفاء والمذاهب: الحنفاء والنصرانية واليهودية والصابئة. وفي خاتمة الكتاب ملحق عن الديانات التوحيدية في شبه الجزيرة العربية وعلى تخومها قبل الإسلام وخرائط وجداول توضيحية لتمددهم.