شهدت التحركات السياسية أمس أحداثاً دراماتيكية كانت على وشك ايجاد ازمة سياسية مبكرة تواجه عملية تشكيل الحكومة، لكن اجتماعات مكثفة عُقدت قبل جلسة البرلمان امس حالت دون تدهور الوضع السياسي في اعقاب تصريحات افادت بانسحاب المالكي من اتفاق اربيل. في غضون ذلك، نجح البرلمان العراقي امس في عقد جلسة تم فيها التصويت على مبادئ مبادرة رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، في وقت سارعت «العراقية» الى الاعتذار عما جرى خلال جلسة الخميس الماضي بعد انسحابها، وقام رئيس البرلمان بتنقيح كلمته التي قالها بعد انتخابه رئيساً، والتي واجهت تحفظات من قبل «دولة القانون» و»التحالف الكردستاني». وصوّت البرلمان امس في جلسته الثالثة، برئاسة اسامة النجيفي وحضور 241 نائباً، على تأييد مبادرة بارزاني وما خرجت به من اتفاقات سياسية، واستُهلت بمداخلات نواب حول كيفية تنظيم عمل البرلمان واعادة النظر في النظام الداخلي ومناقشة تسمية اللجان الدائمة. وفي بداية الجلسة، قال النجيفي في كلمة مقتضبة، رداً على الانتقادات التي وُجهت الى كلمته في جلسة الخميس الماضي بعدم ادانته للإرهاب واعمال العنف والوعيد على الحكومة السابقة، «إننا ندين الارهاب بكافة أشكاله واياً كان مصدره وتمويله، وهو خصم الجميع (...) وسنعمل معاً من اجل القضاء عليه لخلق اوضاع امنية افضل». وأكد النجيفي في جلسة الامس، التي وُصفت بأنها استكمال للكلمة السابقة التي واجهت الانتقادات، أن عمله في المجلس «سيكون ممثلاً للجميع، بعيدا من أي خصومة وشحناء مع أي طرف سياسي»، مشدداً على «ضرورة العمل بروح الفريق الواحد على إنهاء الإرهاب ومرتكزاته ومنابعه من أي جهة أتى ومن أي منطلق انطلق». ودعا إلى «تغيير الواقع إلى الأفضل، وبذل الجهود لبناء عراق موحد وفقاً لمفهوم الشراكة الوطنية»، مشيراً إلى أن «الحكومة المقبلة ستعمل بقرار سياسي وأمني موحد وفقاً للآليات التي تقرها الاتفاقات السياسية والبرنامج الحكومي». من جهته طالب القيادي في «المجلس الاعلى الاسلامي» الشيخ همام حمودي اثناء مداخلته ب «ضرورة مشاركة جميع المكونات السياسية في الحكومة الجديدة»، مشدداً على ضرورة ايجاد حلول حول قضايا مهمة، وهي التوازنات وتشكيل المجلس الأعلى للسياسات الإستراتيجية، الذي يجب ان لا ياخذ صلاحيات لا من الحكومة ولا من البرلمان». وأعلن ائتلاف «العراقية» انه سيتفاعل بقوة من أجل إنضاج حكومة الشراكة الوطنية، مؤكداً أن ما حصل في جلسة الخميس هو سوء فهم بين الكتل السياسية. وقال عضو «العراقية» حيدر الملا، خلال مداخلته في جلسة الامس، إن «العراقية ستتفاعل بقوة من أجل إنضاج حكومة الشراكة الوطنية»، مبيناً أن «قائمته تريد ترسيخ دعائم حكومة الشراكة الوطنية، وستشكل لجنة لدعم الموضوع». ودعا الملا إلى «تشكيل حكومة شراكة وطنية تكون قادرة على تغيير الواقع بالشكل الذي يتمناه الشعب العراقي، وتهتم بالملف الأمني والخدمي والملفات الأخرى التي عانى منها أبناء الشعب العراقي على مدار السنوات الماضية»، متمنياً أن «يكون هناك إجماع من جميع الكتل السياسية على تنفيذ الالتزامات». وأضاف أن «العراقية ستكون فاعلة في حال وجود الأخطاء أو السلبيات التي تستهدف مصالح الشعب، دون السماح للفئوية أن تسحبنا ضمن مفهوم غير مقبول، لنعكس رؤية المعارضة الإيجابية من خلال دعم المشاريع التي ستتبناها حكومة الشراكة الوطنية» . وأعرب الملا عن أمله بأن «تعكس هيئات الرئاسات رؤية ورسالة إيجابية للشعب من خلال الأداء وليس من خلال الشعارات»، مشيراً إلى أن «الشعب العراقي غير راض على الأداء السياسي، مما يحمّل مجلس النواب مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون قانونية أو دستورية». وقدّم النائب عن «التحالف الوطني» عباس البياتي خلال الجلسة اقتراحاً تضمّن احتساب عمر الدورة الجديدة للبرلمان اعتباراً من جلسة البرلمان في الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، وفقاً للدستور العراقي، فيما طالب بإعطاء الشريحة التركمانية منصباً مهماً في السلطة، كنائب رئيس الجمهورية أو نائب رئيس الوزراء. واوضح البياتي القيادي أن «الدستور يشير إلى أن عمر الدورة البرلمانية أربع سنوات تقويمية تبدأ من الجلسة الأولى»، واختتم البرلمان أمس الأول جلسته الأولى، مقترحاً «بدء احتساب عمر الدورة الجديدة اعتباراً من أول من امس لأربع سنوات تقويمية، وطرح ثمانية شهور منها لتتمكن من انجاز ما عليها انجازه». ودعا إلى «التصويت على اقتراحه للبدء في التكليف القانوني والدستوري للحكومة اعتباراً من انتهاء الجلسة الأولى»، مستدركاً بالقول انه «في حال لقي الاقتراح بعض الصعوبات، أدعو إلى اعتماد خمسة أيام في الأسبوع لعقد جلسات البرلمان في الفصل التشريعي الحالي». وبعد انتهاء المداخلات، قدّم رئيس اللجنة الفرعية التي ضمت ممثلي القوى السياسية، هادي العامري، خلاصةَ الاتفاقات التي توصلت اليها في اجتماع سبق الجلسة وتضمنت التأييد الكامل لمبادرة رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، ولجميع ما تمخض عنها من اتفاقات سياسية تتمحور حول الالتزام بالدستور وتحقيق الشراكة الوطنية وتحقيق التوازن والإصلاحات السياسية والامنية والقضائية على عمل الحكومة». وعرض رئيس البرلمان الاتفاقات على التصويت، وحصلت بموافقة غالبية النواب، على ان يتم تنظيم تشريعات مستقبلية لتنظيمها وعرضها على البرلمان من جديد بشكل مشاريع قوانين لتمريرها، فيما طالب البرلمان الحكومة المنتهية اعمالها بتقديم مشروع الموازنة الاتحادية لعام 2011. وناقش البرلمان ايضا النظام الداخلي للبرلمان واللجان البرلمانية الجديدة، وتم الاتفاق على ضرورة حصر المقترحات في شان تعديل النظام الداخلي للبرلمان بما يتناسب واعادة قوته الرقابية والتشريعية، على ان تقدم القوى السياسية مرشحيها للجان البرلمانية. ورفع النجيفي الجلسة الى الحادي والعشرين من الشهر الجاري ليتم مناقشة تقاسم اللجان البرلمانية وتوزيعها، والشروع في اقرار مشاريع القوانين المؤجلة من الدورة البرلمانية السابقة. الى ذلك افاد القيادي في «دولة القانون» حيدر العبادي، ان رئيس الجمهورية المنتخب جلال الطالباني لم يكلف حتى الآن مرشح التحالف لرئاسة الوزراء نوري المالكي تشكيل الحكومة، مشيراً الى ان أمام طالباني خمسة عشر يوما ليكلف المالكي، على ان يقوم المالكي بتشكيل الحكومة خلال شهر واحد. واشار العبادي في مؤتمر صحافي عقده في مبنى البرلمان امس، إلى ان «طالباني لم يُكلف بشكل رسمي نوري المالكي تشكيل الحكومة، انما اشار خلال كلمته في اعقاب انتخابه لرئاسة الجمهورية بأنه سيكلف المالكي تشكيل الحكومة»، مشيراً الى ان التكليف يحتاج الى طلب رسمي موقّع من قبل رئاسة الجمهورية. واوضح ان السبب في عدم تكليف المالكي حتى اللحظة بشكل رسمي هو كسب المزيد من الوقت الكافي لتشكيل الحكومة وتسمية الحقائب الوزراية»، لافتاً الى ان على رئيس الجمهورية ان يكلف المالكي تشكيل الحكومة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخابه الذي تم الخميس الماضي». واشار الى ان على المالكي ان يقوم بتشكيل الحكومة وتسمية الحقائب الوزراية خلال فترة شهر من تاريخ تكليفه»، مرجحاً ان يتم حسم تشكيل الحكومة خلال الشهر المقبل»، موضحاً ان القضية الأهم الآن هو ان البرلمان استأنف اعماله ليباشر مهماته التشريعية والرقابية». وكان مجلس النواب عقد الخميس الماضي جلسة ماراثونية استمرت حتى ساعة متاخرة مساء، تمخضت عن انتخاب عضو القائمة العراقية اسامة النجيفي رئيساً للبرلمان، وكلاًّ من قصي السهيل وعارف طيفور نائبين له، بالاضافة الى انتخاب جلال طالباني رئيساً للجمهورية.