ذكرتني لعبة نداء الواجب التي «خرشت» الناس هذا الأسبوع بكلمة نداء، واستحضرت نداءات كثيرة في حياتنا، بعضها انقرض، وبعضها في طور الانقراض، وآخر تنطبق عليه أغنية فيروز «لا تندهي ما في حدا». اجتماعياً قضى الهاتف النقال على الكثير من النداءات، وأولها مناداة الزوج لزوجته بعد انتهاء حفلة العرس، وعادة ما يكون على صيغة «عائلة فلان الفلاني» تتكرر مرتين إذا كان الرجل «حمش»، وتظل تتكرر لساعة أو اثنتين إذا كانت هي «حمشة»، وهو نداء تسمعه بصيغة مختلفة إذا اختلف المستوى الاقتصادي للمدعوة، إذ يصبح «سواق الفلان يقرب»، وبالطبع لا يذاع إلا مرة واحدة. الأمر نفسه ينطبق على مدن الألعاب النسائية المغلقة، وفقدت وظيفة البواب الذي ينادي بالمايكروفون، وتم استبداله بموظف أمن خاص يمنع دخول الأطفال ممن يتجاوزون السن المقررة. أيضاً كانت هناك مناداة الأصدقاء لبعضهم بعضاً والتي كان تستخدم فيه أبواق السيارات، فيعرف جميع سكان الشارع وربما الحي أن صديق فلان يستدعيه من صوت منبه سيارته، ومنها ظهرت النكتة حول الشاب الذي «ما طلع شنبه فدق له بوري». اقتصادياً كان الفيلم الأكثر إمتاعاً هو أجهزة النداء الآلي، وخدماته، وقصصه، ومقالبه، وهو رصد مرحلة تنموية في قطاع الاتصالات لا يمكن نسيانها، وأظهر ثقافة البعض في التعاطي مع السلوك العام، والإزعاج، وحب الاستعراض. سياسياً لا يزال للنداء حضوره الطاغي، لكن هناك نداءات صادقة مشفقة تريد الخير للجميع، وهناك نداءات للاستهلاك الإعلامي، وأخرى لمجرد المناورة السياسية والضحك على الناس للاستمرار في أوضاع معوجة ومتأخرة. رياضياً هناك نداءات كثيرة، فرئيس النادي المفلس يظل ينادي أعضاء الشرف ليدعموا خزانة النادي طوال الموسم، وهم بدورهم ينادون الجمهور ليثور على هذا الرئيس، وبعضهم «يحرش» اللاعبين للغاية ذاتها. فنياً هناك روائع مثل «انادي ياهلي محد يردي»، «ناديت خانتني السنين الذي مضت راحت»، و«بندهلك في ليالي البعد»، وغيرها كثير، وقيل إن اصفرار وجوه العشاق ناتج من نقص الأكسجين الذي يستهلكونه من كثر مناداتهم لمن يحبون على طريقة الفيلم العربي. علمياً هناك الكثير من الكائنات الحية التي تستخدم النداء لدعوة الشريك والمحافظة على سلالتها، أو تستخدمه كسلاح لإبعاد الأعداء المحتملين. وعوداً على ما بدأته الأربعاء حول لعبة نداء الواجب «كول أوف ديوتي»، فما أحدثته بين الناشئة يشكل نداء تربوياً خطيراً، إذ يعكس واقعاً عائلياً مخيباً للآمال لن تنفع معه كل نداءات المتخصصين والغيورين الحريصين على الطفل، وبالتأكيد لن تنفع معه نداءاتنا بمنع بيع هذه المنتجات للأطفال، وهي للحق نداءات يائسة فلن يكون صاحب المحل أرحم بالطفل من والديه ومدرسته ومجتمعه. [email protected]