في تحوّل جذري للرؤية الأميركية لعملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، تخلى الرئيس دونالد ترامب أمس عن «حل الدولتين»، وهو تصور عمره أكثر من 25 سنة وكان تبناه الرؤساء بيل كلينتون وجورج بوش وباراك أوباما، وذهب الرئيس الجديد خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، نحو مقاربة جديدة تتبنى غطاء إقليمياً، في حين دعا نتانياهو الفلسطينيين الى الاعتراف ب «يهودية الدولة» الاسرائيلية، وقبول سيطرتها الأمنية على وادي الأردن كشرطين للسلام. (للمزيد) وكشفت مصادر موثوق فيها ل «الحياة» أمس أن إدارة ترامب تدرس استضافة قمة في واشنطن للقيادات العربية، للبحث في عملية السلام. وفي زيارة هي الأولى لنتانياهو الى واشنطن منذ تولي ترامب الحكم في 20 كانون الثاني (يناير) الماضي، عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية اجتماعات استمرت أربع ساعات في البيت الأبيض، وكان الحضور الأبرز فيها لمستشاري ترامب وصهره جاريد كوشنير الذي سيتولى الإشراف على عملية السلام. وعلى عكس المناخ المتشنج الذي صاحب لقاءات نتانياهو والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، كان الإطراء المتبادل و»الكيمياء» السياسية والشخصية حاضران بقوة في القمة التي تضمنت خلوة بين الاثنين، واجتماعاً موسعاً، وغداء عمل للطرفين. وافترق ترامب في المؤتمر الصحافي عن المواقف التقليدية في عملية السلام منذ اتفاق أوسلو، ولم يلتزم حل الدولتين. وقال: «أنا أنظر الى الدولتين والى الدولة... يعجبني ما سيعجب الطرفين (الإسرائيلي والفلسطيني)، ويمكنني العيش مع كليهما». وأكد أن على الطرفين تقرير شكل التسوية بينهما والسلام، ووعد بأنه سيبرم «اتفاق سلام كبيراً جداً... أكبر مما يتوقعه كثيرون». ورد نتانياهو: «سنحاول ذلك»، قبل أن يضيف ترامب: لا تبدي كثيراً من التفاؤل!». وفيما دعا ترامب ضيفه الى «ضبط النفس بعض الشيء في قضية الاستيطان»، ولمح الى دور إقليمي للدول العربية في أي محادثات سلام، رافضاً التزام نقل السفارة الأميركية الى القدس بقوله: «أرغب في هذا الأمر إنما ننظر فيه»، رد نتانياهو ان «مسألة المستوطنات ليست في صلب النزاع» مع الفلسطينيين، بل طالبهم «بالاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية»، فيما دعا ترامب الفلسطينيين الى التخلص من «الكراهية». وقال نتانياهو معتبراً أن ترامب يوفر «فرصة غير مسبوقة» لدفع السلام، منوهاً بالغطاء الإقليمي، وبأن «إسرائيل لم تعد العدو بنظر الدول العربية للمرة الأولى». وشدد على ضرورة تولي إسرائيل «الأمن الكامل» لأي دولة فلسطينية يتم انشاؤها لتفادي دولة فاشلة أو إسلامية». ووضع «شرطان مسبقان للسلام: الأول أن على الفلسطينيين الاعتراف بالدولة اليهودية... والثاني أنه يجب أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على المنطقة الكاملة الواقعة غربي نهر الأردن في إطار أي اتفاق للسلام». واتفق الجانبان على انتقاد الاتفاق النووي الإيراني الذي اعتبره ترامب «أسوأ اتفاق رأيته»، من دون التزام تفكيكه، وأكدا العمل على التصدي لنفوذ طهران الإقليمي. وسألت «الحياة» وزارة الخارجية الأميركية عن الموقف الجديد للإدارة، فأكد مسؤول أميركي أن «البيت الأبيض يتولى هذا الأمر»، ما يعكس انتقال إدارة عملية السلام من الخارجية الى فريق ترامب. وقالت مصادر موثوقة ل «الحياة» إن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أقنع ترامب بالعدول عن نقل السفارة بسبب أمن المنطقة وانهيار السلام. وأشارت الى احتمال استضافة ترامب قمة عربية في واشنطن للبحث في هذه الملفات وتحريك الغطاء الإقليمي لاستئناف عملية. الى ذلك، كشفت الصحافة الأميركية أن ترامب عرض وظيفة مستشار الأمن القومي على نائب الأميرال المتقاعد روبرت هاروارد بعد اقالة مايكل فلين على خلفية اتصالاته السرية بروسيا. وينتظر رد هاروارد قبل نهاية الأسبوع، وهو من المقربين جداً من وزير الدفاع جيمس ماتيس، كما عمل في دولة الإماراتالمتحدة في شركة «لوكهيد مارتن»، ومن الأصوات الوسطية وغير الأيديولوجية في الجيش. ويتحدث الفارسية إذ عاش في إيران حين كان والده في قاعدة في طهران في السبعينات، وتخرج من المدرسة الأميركية في طهران عام 1974. من جهة أخرى، يبحث مجلس الأمن اليوم عملية التسوية، في وقت أكد ديبلوماسيون في نيويورك تمسكهم بحل الدولتين ومبادئ السلام، كما أكد الأمين العام أنطونيو غوتيريش من القاهرة أنه ما من بديل و»خطة ب» للسلام في الشرق الأوسط «سوى حل الدولتين». وأكد السفير الفلسطيني في الأممالمتحدة رياض منصور إن «الحديث عن توصل الطرفين الى السلام لن يؤدي الى أي السلام من دون تحديد أسس له» مشدداً على أن «الإجماع الدولي متمسك بحل الدولتين. في غضون ذلك، أوضحت مصادر ديبلوماسية غربية ل «الحياة» في رام الله أن رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية مايك بومبيو التقى الرئيس محمود عباس ليل الثلثاء - الأربعاء في مقر الرئاسة في رام الله، وطلب منه التريث وعدم اتخاذ أي مواقف أو اجراءات حتى تتبلور السياسة الخارجية الأميركية. وأضافت أن لدى الاستخبارات الأميركية تصوراً سياسياً مختلفاً عن تصورات ترامب وطاقمه.