شعرت الأسبوع الماضي مثل ذلك الذي قال: لو أمطرت الدنيا شوربة دجاج لوجدت نفسي وشوكة في يدي. ولم تمطر الدنيا حساء من أي نوع، ولكن تركت لي شيئاً للتسلية أبتعد به مع القراء عن نكد السياسة. كنت على سفر دائم في الشهرين الماضيين لأسباب العمل، والى درجة أنني لم أذهب الى الصيد في هنغاريا كعادتي كل سنة، فقد اخترت أن أذهب الى مراكش بدلاً منها لحضور الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي عن الشرق الأوسط، وقطعت اليوم الأخير منه لأعود الى لندن والى جلسة طويلة مع وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد لأسمع منه آخر الأخبار. وجدت أنني قمت ببضع عشرة رحلة عمل في شهرين فقررت أن أعطي نفسي إجازة مع أصدقاء ورحلة صيد قرب فونتنبلو، الى الجنوب من باريس. أريد أن أكون دقيقاً، فيوم الأربعاء الماضي، الثالث من هذا الشهر، كان يفترض أن أذهب الى محطة القطار في شمال لندن الساعة الثامنة صباحاً للانتقال الى باريس حيث يجتمع رفاق الصيد. واكتشفت ويا للهول أن هناك إضراباً في القطارات التي تسير تحت الأرض، ولم أجد أي تاكسي، وتبرعت زوجتي بإيصالي فرفضت لأنني كنت واثقاً من أنها ستضيع على الطريق. عثرت على تاكسي بمعجزة في النهاية ووصلت الى القطار عدواً وأنا ألهث من جرّ حقيبة السفر الملأى بعدّة الصيد. ونزلت في باريس في فندق برنس دوغال الملاصق لفندق «فورسيزونز»، أو جورج الخامس، الذي أنزل فيه عادة لمساعدة مالكه الأمير الوليد بن طلال على تخطي الأزمة المالية العالمية، وأدركت فوراً لماذا لم أجد مكاناً في فندقي المختار، فقد اختاره رئيس الصين في زيارة رسمية لفرنسا. ما كدت أفرغ الحقيبة من نصف محتوياتها حتى اتصل بي أحد رفاق السفر، وأبلغني أن رحلة الصيد ألغيت لأن المشرف على رحلتنا، وهو مالك أرض الصيد، أُدخِل المستشفى، ويخشى أن يكون مصاباً بالسرطان. طبعاً إصابة الرجل، وهو صديق، أهم كثيراً من خيبة أملي بالرحلة، فاتصلت بمكتبي في لندن لتغيير موعد عودتي بالقطار الى لندن لجعلها الرابع من الشهر بدل السابع منه، وهكذا كان. صباح الخميس استيقظت لأجد رسالة دست لي من تحت باب غرفتي تقول إنه في مناسبة زيارة الرئيس الصيني سيغلق شارع جورج الخامس يوم الخميس من الساعة السابعة صباحاً حتى الجمعة الساعة الثانية بعد الظهر. باختصار، جرّ أحد عمال الفندق حقيبتي حتى الشانزليزيه، فيما كان عامل آخر يرافقنا يحاول أن يوقف لي تاكسي ينقلني الى محطة القطار. ومرة أخرى وصلت الى القطار وأنا ألهث من جرّ الحقيبة الثقيلة بما حوت من عدة صيد بقيت مكانها. جلست في القطار وأنا أفكر أنه لو كانت الرحلة للعمل ما ألغيت، ولكان إضراب لندن ما حدث، ولكان الرئيس الصيني اختار موعداً آخر لزيارة فرنسا فلا يعرقل وجودي في عاصمة النور. فكرت بعد ذلك أنه لو كان الزائر بنيامين نتانياهو لكان عندي سبب آخر لشتمه وحكومته الفاشستية، ولادّعيت أنها مؤامرة صهيونية غاشمة أخرى ضد بسطي وانشراحي، أما الرئيس الصيني فليس لي موقف ضده. ربما ما كنت كتبت ما سبق لولا ما حدث بعده. في رحلة العودة بالقطار اتصل بي الإخوان من «الإخبارية» وسألوني إن كنت قرأت عن اختيار مجلة «فوربس» الملك عبدالله بن عبدالعزيز ثالث أقوى شخصية في العالم، بعد الرئيسي الصيني أولاً، وباراك أوباما ثانياً، وقلت لهم إنني قرأت الخبر فطلبوا مني تعليقاً على الهاتف مع نشرة الأخبار. قبل أن أجيب انقطع الاتصال لأن القطار دخل في النفق تحت بحر المانش، حيث بقينا حوالى 20 دقيقة خرجنا بعدها واتصلت فوراً بالإخوان في «الإخبارية» لأقول إن عندي تعليقاً. وهكذا كان ووقّت المذيع الاتصال مع نشرة الأخبار ودخل القطار نفقاً، وانقطع الاتصال، وحاولنا مرة أخرى ودخل القطار نفقاً آخر. لا أذكر أنه كانت هناك أنفاق غير نفق بحر المانش، وشعرت بأن هذه الأنفاق جديدة، وشقت خصيصاً لمنعي من الحديث عن الملك عبدالله. غير أنني وقد هزمت ذهاباً وإياباً، وطارت رحلة الصيد، أرفض أن أهزم مرة أخرى، لذلك أسجل هنا ما كنت أريد أن أقول عبر الهاتف فالملك عبدالله بن عبدالعزيز في المركز الثالث بين قادة العالم كله لسببين، شخصي ووطني. هو شخصياً ليبرالي ومصلح في بلد محافظ، وله شهرة مستحقة في المحافظة على المال العام ومكافحة الفساد. أما وطنياً فالسعودية وحدها بين بلاد العالم لا تحتاج الى أحد، فهي لا تطلب مساعدات ولا تسعى الى حماية من أحد، وبما أنها تجلس على ربع احتياط العالم من البترول أو أكثر، فإن العالم كله يريد إنتاجها النفطي الذي يفوق حاجة شعبها، مع أنه مادة ناضبة، ومع كل هذا فالسعودية تقدم أعلى نسبة في العالم من دخلها القومي للمساعدات الخارجية. أرجو أن أفك طوق النحس بكلامي عن الملك عبدالله، ولو على طريقة «جاور المسعد تسعد»، فقد عدت الى بيتي في لندن من رحلة الصيد الفاشلة وأنا أقول «المنحوس منحوس ولو علقوا له فانوس»، ثم أسأل كيف أذهب الى أبو ظبي وأصل في الساعة الواحدة صباحاً لإلقاء محاضرة، وأتركها في الساعة الثانية صباحاً من اليوم التالي الى مراكش، فلا يتعطل شيء في رحلة عشرة آلاف ميل ذهاباً وإياباً لأنها رحلة عمل، وأذهب الى باريس في رحلة مئتي ميل وتنقلب الدنيا على رأسي لأنني تجرأت وفكرت في إجازة. [email protected]