قلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الطاولة في المحكمة العليا لمصلحة المحافظين بترشيحه القاضي نيل غورستش للمقعد التاسع في المحكمة، الأمر الذي قوبل بترحيب المتدينين التقليديين، مقابل تنديد من الديموقراطيين الذين اعتبروا القاضي متزمتاً ومناهضاً لحقوق المرأة. وأحبط السجال دعوة ترامب المشرعين من الاتجاهات كافة إلى «إجماع» على تأييد غورستش في المؤسسة القضائية المرجع والتي تبت بالمسائل الكبرى في المجتمع الأميركي. وقال ترامب لدى إعلانه التعيين في البيت الأبيض إن «القاضي غورستش يمتلك قدرات قانونية غير عادية، وروحاً لامعة، وانضباطاً ملحوظاً». وذكر ترامب بأن «قاضياً في المحكمة العليا (الذي يعين مدى الحياة) يمكن أن ينشط لمدة 50 سنة، ويمكن لقراراته أن يكون لها تأثير لمدة قرن أو أكثر». وأعرب غورستش (49 سنة) الذي وقف وزوجته ماري لويز إلى جانب ترامب، عن امتنانه لعائلته وأصدقائه ومرجعيته الروحية». ووعد بأن يكون «خادماً مخلصاً» للدستور الأميركي. وتعد المحكمة العليا حامية الدستور في الولاياتالمتحدة، ويعين العضو فيها لمدى الحياة بقرار من الرئيس قبل أن يتم تثبيته عبر تصويت في مجلس الشيوخ الذي يشكل الحزب الجمهوري غالبية فيه حالياً. وسيدفع تعيين غورستش المحكمة باتجاه اليمين ربما لجيل كامل، ما يلقى ارتياحاً لدى المتدينين التقليديين والمدافعين عن حيازة الأسلحة النارية وأنصار العمل بعقوبة الإعدام وأصحاب المصالح المالية النافذة. وقال ترامب مشيداً بالقاضي: «كان بإمكانه الحصول على وظيفة في أي شركة قانونية ومقابل أي مبلغ من المال، إلا أنه أراد أن يكون قاضياً، أن يكتب قرارات ويحدث تأثيرا عبر التمسك بقوانيننا ودستورنا». ومنذ سنة، لا تضم المحكمة الواقعة على تلة الكابيتول في واشنطن سوى ثمانية قضاة، هم أربعة محافظين وأربعة تقدميين، وكانت ما زالت تعمل، لكن مهددة بالتعطيل. وانخفض عدد أعضائها إلى ثمانية بوفاة انتونين سكاليا، أحد دعائم اليمين المحافظ، في شباط (فبراير) 2016. ويشابه غورستش سلفه بأسلوبه، وبفكره القانوني القائم على العودة إلى أصل المعنى والهدف من بنود الدستور. ويعتبر خيار ترامب بمثابة سداد دين للمسيحيين الإنجيليين والجمهوريين المحافظين الذين دعموا وصوله إلى الرئاسة. وهو قال إن «ملايين الناخبين اعتبروا أن هذه المسألة هي الأهم بالنسبة إليهم عندما صوتوا لي كرئيس»، مضيفاً: «أنا أفعل ما أقول، وهو ما كان ينتظره الناس من واشنطن منذ مدة طويلة جداً». وباعتبار أن عدداً من القضاة الحاليين متقدمون بالعمر، يرجح أن يقوم ترامب بتعيينات أخرى في المحكمة خلال فترة حكمه، ما قد يعيد تشكيل توجهاتها لجيل مقبل. وعلى رغم تعيينهم من الرئيس، يتمتع القضاة عادة بالاستقلالية، حتى أن بعضاً منهم عبروا عن مواقف سياسية مفاجئة. أما غورستش، فيقدم نفسه على أنه شخص منصف وناقد لذاته. وقال مازحاً إن «القاضي الذي يرضى عن كل نتيجة يصل إليها هو في الغالب قاض سيء، إذ يصل إلى النتائج التي يفضلها بدلاً من تلك التي يتطلب القانون الوصول إليها». ويرجح أن تنبع غالبية المعارضة الديموقراطية التي سيواجهها غورستش من تصرفات الجمهوريين بعد وفاة سكاليا. وفيما رشح الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما القاضي ميريك غارلاند في آذار (مارس) الماضي، ليشغل المقعد الشاغر خلفاً لسكاليا، رفض مجلس الشيوخ تثبيته. ويشغل الجمهوريون 52 مقعداً في مجلس الشيوخ، لكنهم يحتاجون إلى ستين صوتاً للمصادقة على القاضي الذي سيعينه ترامب. ويعني ذلك أنه يتعين على غورستش كسب بعض الأصوات الديموقراطية وهو ما يتوقع أن يصعب تحقيقه. وقال زعيم كتلة الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر «في غضون أكثر من أسبوع بقليل منذ بدء رئاسة ترامب، انتهكت الإدارة الجديدة قيمنا الأساسية، وتحدت مبدأ الفصل بين السلطات، واختبرت نسيج دستورنا بأسلوب غير مسبوق». وتابع أنه يتعين على «غورستش أن يثبت بأنه ضمن التيار القانوني» وأن «يدافع بقوة عن الدستور في وجه انتهاكات (القرارات) التنفيذية». ولكنه أضاف «نظراً إلى سجله، لدي شكوك جدية في شأن قدرة القاضي غورستش على تلبية هذا المعيار». ووصفت زعيمة الأقلية الديموقراطية نانسي بيلوسي القاضي الجديد بأنه «معادٍ لحقوق المرأة»، مضيفةً أن «سجل القاضي غورستش يظهر أنه يملك آراء راديكالية بعيدة تماماً من تيار الفكر القانوني الأميركي». أما زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونل فرحب ب «الخلفية المبهرة والسجل الطويل لغورستش في تطبيق القانون والدستور بأمانة». وأضاف: «عندما ثبته مجلس الشيوخ سابقاً في محكمة الاستئناف، تمتع بدعم كبير من الحزبين» في المجلس.