تحفظ الحاجّة مريم عبد الكريم (82 عاماً)، من قرية سلواد قرب رام الله، تفاصيل أرضها حجراً حجراً وزاوية زاوية، فهي أفنت حياتها تعمل في ثناياها قبل أن يستولي عليها المستوطنون، ويمنعوها وعائلتها من الوصول اليها منذ عقدين من الزمن. تتذكر مريم طفولتها في تلك الأرض، منذ كانت في الخامسة من عمرها، حيث كانت ترافق والدها الى أعلى جبل في البلدة، لاستصلاحه وتحويله الى أرض قابلة للزراعة. وقالت: «كنت أحمل سطلاً، وأمشي خلف والدي، وألتقط الحجارة حجراً حجراً، حتى حولناها الى جنة». عملت مريم وأشقاؤها وشقيقاتها، بعد استصلاح الأرض، على زراعتها على مدى أكثر من ستة عقود. وقالت: «كنا نزرعها قمحاً وشعيراً وعدساً وحمصاً، وفي السنة التالية نزرعها خضروات مثل البندورة والبامية وعباد الشمس والبطيخ». بهذه الطريقة حافظت عائلة عبد الكريم على طاقة الأرض، فالخضروات ترهق الأرض، لذلك كانوا يزرعونها بالحنطة والبقوليات في العام التالي كي «تستريح» وتؤهل لزراعة الخضروات في العام الذي يليه. وفي العام 1996، أفاق أهالي قرية سلواد على المستوطنين يقيمون خزانات مياه في أرضهم هذه الواقعة على قمة الجبل وسفحه. وبعد أسابيع قليلة شرع المستوطنون في إقامة بيوت متنقلة، وحولوا الأرض الزراعية الجميلة التي كانت تسمى «المزارع» الى مستوطنة أطلقوا عليها اسم «عمونا». سارعت بلدية سلواد الى جمع أصحاب الأراضي الذين يحملون أوراق ملكية (طابو) تؤكد ملكيتهم الخاصة لهذه الأراضي، وقدمت شكوى جماعية الى محكمة العدل العليا في إسرائيل، مستعينة بمنظمة حقوقية إسرائيلية تسمى «ييش دين». وبعد مداولات استمرت عشر سنوات، أصدرت المحكمة في 2006 قراراً يقضي بإزالة تلك البيوت لأنها مقامة على أراضي ملكية خاصة. لكنّ المستوطنين لم ينفذوا القرار، بل تحايلوا عليه، ونقلوا البيوت المتنقلة الى مواقع جديدة في المنطقة ذاتها، وظلوا يسيجون باقي الأراضي مدعين حاجتهم لها لحماية أمنهم. عاد أصحاب الأراضي لتقديم شكوى جديدة الى المحكمة ذاتها. وبعد مداولات استمرت عشر سنوات أخرى، وتأجيل متكرر، أصدرت المحكمة قراراً جديداً يقضي بإخلاء البيوت وإعادة الأرض لأصحابها في موعد أقصاه الخامس والعشرون من شباط (فبراير) 2017. وأثار قرار المحكمة الإسرائيلية جدلاً واسعاً في إسرائيل بين مؤيد ومعارض. وفيما وقفت أحزاب مشاركة في الحكومة في صدارة المعارضين لتنفيذ القرار، قدم حزب المستوطنين المتطرف «البيت اليهودي» مشروع قرار الى الكنيست (البرلمان) يسمح للدولة العبرية بإقامة مستوطنات على أراض ذات ملكية شخصية فلسطينية وليس فقط على الأراضي العامة التي تشكل المساحة الأكبر من الضفة الغربية. ووافق الكنيست على مشروع القرار الذي سمي «قانون التسويات» بالقراءة التمهيدية ما يمهد الطريق امام إقراره رسمياً في القراءات اللاحقة. وتشير الإحصاءات الرسمية الإسرائيلية الى أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية، بما فيها القدسالشرقية، بلغ حوالى 700 ألف. وتشير التقديرات الى أن عددهم سيصل الى المليون مستوطن بحلول العام 2020. وقبل حلول موعد إخلاء مستوطنة «عمونا»، توصلت الحكومة الإسرائيلية الى اتفاق مع سكانها على نقلهم الى مستوطنة «عوفرا» المجاورة المقامة على أراضي البلدة ذاتها. وتخشى الحاجة مريم وأهالي سلواد ان يكون نقل المستوطنين الى المستوطنة الجديدة، التي لا تبعد أكثر من ميل واحد عن مستوطنة «عمونا»، مجرد مناورة لمواصلة الاستيلاء على أراضهم. وقال رئيس بلدية سلواد عبد الرحمن صالح: «ما نخشاه انهم سينتظرون إقرار قانون التسويات الذي يسمح لهم بالبناء على أراض خاصة، ثم يعودون للاستيلاء على أرضنا من جديد». وأضاف: «لكننا نقف لهم بالمرصاد، فنحن واجهناهم في المحاكم طيلة عشرين عاماً، وسنواصل مواجهتهم بكل الوسائل الممكنة الى أن نستعيد أرضنا». وقتل المستوطنون عدداً من أهالي سلواد في السنوات العشرين الماضية اثناء محاولتهم الوصول الى أرضهم المجاورة للأرض المصادرة. ومن بين الضحايا سيدة كانت تحمل الطعام الى زوجها الذي كان يعمل في حراثة الأرض. وقالت مريم: «قتلها المستوطنون بدم بارد، ومنذ ذلك اليوم لم يجرؤ أحد على العودة الى الأرض خوفاً من ملاقاة المصير ذاته». وبدأ الكنيست الإسرائيلي أمس الإثنين البحث في النص الجديد لقانون مصادرة الأراضي الفلسطينية الخاصة، الذي سيطرح للتصويت عليه في القراءتين الثانية والثالثة. ويطالب النص الجديد بتجميد إجراءات تطبيق القانون والأوامر الإدارية الصادرة ضد 16 مستوطنة وبؤرة لمدة سنة، يقوم خلالها الجيش بتحديد ما اذا كان من الممكن مصادرة الأراضي التي بنى عليها المستوطنون بيوتاً... إلا ان المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أعلن انه يواصل معارضته القانون، ما يبقي بصيص أمل لأهالي قرية سلواد الذين يحلمون بالعودة الى أرضهم التي حرموا من الوصول اليها طيلة عشرين عاماً في حال مغادرة المستوطنين لها. وقال عطا الله حامد (64 عاماً): «أمضيت شبابي أعمل في هذه الأرض، وطيلة عشرين عاماً وأنا أنتظر هذه اللحظة كي أعود اليها من جديد». كانت أرض عطا الله، ومساحتها 35 دونماً، مزروعة بكروم العنب، فاقتلع المستوطنون كرومه كلها. لكنه تعهد ب» «زرعها من جديد». أما الحاجة مريم، فتنظر الى أرضها المصادرة وتقول «سأعود الى الأرض ومعي أولادي وأحفادي وأشقائي وأولادهم وأحفادهم. سنعود، وستعود كل العائلة، وسنحتفل بعودتنا الى الأرض وعودتها لنا». لكن مخاوف أهل البلدة تغلب على تفاولهم. «ننتظر لنرى، لا يمكننا الوثوق بأي كلمة يقولونها» كما قالت مريم.