أثبتت العمليات الأمنية الأخيرة استغلال التنظيمات الإرهابية الخصوصية النسائية في المجتمع السعودي، إذ لجأ عدد من المطلوبين أخيراً إلى التخفي داخل الأزياء النسائية للتنقل في الأحياء السكنية، وعمد آخرون إلى الاستعانة بالعناصر النسائية في التنسيق للعمليات الإرهابية وتنفيذها، كما حرصت التنظيمات على وجود عنصر نسائي ضمن خلاياها، لتسهيل تنقلات وسكن عناصرها. أحداث متسلسلة كشفت عن تبني التنظيم الإرهابي «داعش» لسياسية استغلال الخصوصية النسوية، كان في مقدمها حادثة مسجد العنود في مدينة الدمام الواقعة أواخر أيار (مايو) 2015، التي تم إحباطها فور الشروع فيها، بعد كشف الانتحاري الذي حاول التخفي داخل ملابس نسائية، ظناً منه أن ذلك سيسمح له بتنفيذ جريمته. ولا تعد تلك الحادثة الأولى، إذ حاول التنظيم الإرهابي إخفاء عناصره داخل الزي النسائي، وكذلك ما يحمله معه من حزام ناسف أو متفجرات، للتخفي عن أعين رجال الآمن والمواطنين، وفي تنفيذه بعض الحوادث الإرهابية التي وقعت أخيراً، بعد أن استنفدت التنظيمات الإرهابية عدداً من الوسائل والطرق التي لديها. ومن بين تلك المحاولات تنقل قائد الخلية الإرهابية المسؤولة عن حادثة تفجير الدالوة عبدالله آل سرحان، بعد تنفيذه العملية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، إلى شقراء (190 كيلومتراً شمال غرب الرياض) بزي امرأة! وتصدرت «العباءة النسائية» قائمة المضبوطات لدى العديد من الخلايا الإرهابية، كان آخرها مضبوطات المواجهة الأمنية في حي الياسمين بالرياض، وأكدت وزارة الداخلية السعودية في تصريح سابق لها أن الملابس النسائية من أبرز وسائل التنكر التي تلجأ إليها التنظيمات الإرهابية. ولم يكتفِ التنظيم بالاستعانة بالعباءة النسائية في استراتيجيته، بل تعدى ذلك إلى استغلال الخصوصية النسائية، إذ تورط في تجنيد العديد من النساء، لتسهيل تنقلات عناصره ومعداته، إضافة إلى تنسيق العمليات الإجرامية، التي كان من بينها الاستعانة بالموقوفة عبير الحربي، التي أعلنت وزارة الداخلية السعودية القبض عليها مع زوجها فلاح الحربي، وتورطت في نقل حزام ناسف من مدينة الرياض حتى جنوب المملكة، لإتمام عملية التفجير الانتحاري في مسجد قوات الطوارئ في عسير، الذي راح ضحيته 15 من رجال الأمن، كما أوقفت الجهات الأمنية فتاة فيليبينية برفقة مقيم سوري داخل معمل للتفجير، أوكلت إليها مهمة خياطة وتجهيز الأحزمة الناسفة، فيما أوقفت الجهات الأمنية فجر أول من أمس (السبت) امرأة باكستانية الجنسية برفقة مطلوب أمني داخل شقة سكنية في حي النسيم بجدة. ويرى الباحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب محمد الهدلاء، أن هذا الأمر يعيد فتح ملف قضية إقحام المرأة في قضايا الإرهاب، «إذ لا يعتبر تجنيد «داعش» للنساء تكتيكاً جديداً، بل سبقهم إليه تنظيم «القاعدة»، بعد أن ضيق عليهم رجال الأمن». وأضاف الهدلاء: «استغل التنظيم الإرهابي مكانة المرأة وخصوصيتها داخل المجتمع السعودي، للوصول إلى أهدافهم الإجرامية»، مشيراً إلى إدارة العناصر النسائية لنحو 40 في المئة من المواقع الإلكترونية للتنظيمات الإرهابية. وتابع: «يعود لجوء «داعش» لتجنيد النساء في الأدوار اللوجستية والعسكرية إلى أسباب عدة، منها حساسية وضع المرأة السعودية، ولتعثر تحقق الأجهزة الأمنية من هويتها الوطنية، مراعاة لعرف العادات والتقاليد، ونظراً إلى وضع المرأة دينياً واجتماعياً، ولصعوبة الوصول إليهن». وزاد: «تعثر قيام الرجال بمهمات التنظيم، نتيجة الحصار الأمني المكثف، بعد أن أصبحوا مستهدفين ومعروفين لدى الأجهزة الأمنية، وفي الوقت نفسه لا توجد عناصر نسائية مؤهلة أمنياً بحسب ما تقتضيه الحاجة، والغاية لدى هذه التنظيمات تبرر الوسيلة، على رغم مخالفة ذلك لأدبياتهم المعلنة، غير أنه عادة ما يتم تبرير التستر في زي النساء تحت ستار اتهام المجتمع بالفساد والجهل وضرورة محاربة الكفار». من جانبه، أكد الباحث المختص في شؤون الجماعات الإرهابية أحمد الموكلي أن المرأة عند التنظيمات الإرهابية لا تتجاوز كونها وسيلة لتحقيق أهداف التنظيم في تجنيد واستقطاب الأتباع، ولكن بمواصفات وطابع جهادي وفق رؤيتهم، أو استخدامهن في عمليات الإيواء والتنقل الآمن وجمع التبرعات، إضافة إلى كثير من الأعمال ذات العلاقة بطبيعة المرأة. وأوضح الموكلي أن نساء سعوديات أو غيرهن ممن تورطن في دعم هذه الجماعات، بعضهن موقوفات، والأخريات غادرن إلى مناطق الصراع، ورُبما قُتلن هنالك. وأشار إلى أن اللجوء إلى المرأة لجعلها ستاراً واقياً في عمليات التنقل ونقل الأسلحة جاء من أن الإرهابيين يدركون ويعون نظرة الإجلال والاحترام والتقدير للمرأة من الرجل السعودي، بمن فيهم رجل الأمن، وهو ما يمنحها مزايا قد لا تتوافر لغيرها في الدول الأخرى، مثل عدم التدقيق في نقاط التفتيش، أو إنهاء الإجراءات وتسهيلها، بما في ذلك عمليات الاستئجار، كما أن وجودها مع الإرهابيين وتنقلها معهم لا يثير ريبة ممن هم حولهم من جيران. وتوصل إلى أن «المرأة في قاموس هؤلاء وسيلة، لا تختلف عن الحزام الناسف أو القنبلة أو الدرع الواقي من أي هجوم قد يتعرضون له».