رؤية فتاة تقود دراجة هوائية في بغداد تكفي لإطلاق النكات والتفوه بكلمات جارحة، لكنها في الوقت ذاته تدفع البعض إلى تشجيعها على خطوة لا تتجرأ الكثيرات على الإقدام عليها. اليوم وبعدما اعتاد سكان العاصمة العراقية المشهد، أصبحت مارينا جابر أول فتاة تقود الدراجة في بغداد وتتحدى النظرة السائدة. الحملة التي بدأتها مارينا في شكل شخصي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ودعمتها فيها مجموعة من الشباب والشابات في مسيرة دراجات جماعية انطلقت في شارع أبي نؤاس توسعت اليوم وأصبحت عنوان حملات جديدة لمنظمات مجتمع مدني تحاول دعم الفتيات في كسر طوق التقاليد المستوحاة من الرؤية الذكورية للمرأة. فواقع الحال في بغداد يجعل من الدراجة الهوائية وسيلة تنقل سهلة للذكور والإناث في ضوء كثرة نقاط التفتيش والزحام الكبير الذي يتطلب الانتظار لساعات في الطوابير قبل الوصول إلى العمل أو المدرسة، فضلاً عن استهداف تلك الطوابير من جانب التنظيمات المتشددة وقيامها بتنفيذ عمليات تفجيرات قربها توقع العشرات من الضحايا. ارتفاع عدد السيارات إلى أضعاف ما كانت عليه قبل عقد من الزمان وبقاء الشوارع على حالها واختفاء وسائل النقل البسيطة مثل الدراجات الهوائية عن المشهد اليومي للشارع، من أهم الأسباب التي جعلت يوم العراقيين في بغداد طويلاً بوقته قصيراً بإنجازاته. وإلى ذلك، فإن النظرة السائدة حول حصر استخدام الدراجات الهوائية بالرجال كانت سبباً في تغذية الحملات الداعية إلى استخدام الدراجة الهوائية في التنقل بين الجيل الشاب. «فايسبوك» واكب الحملة وظهر بالنتيجة شباب واعٍ يستغرب اعتراض بعض المتشددين دينياً من الأحزاب والمنظمات معتبراً أن الأمر لا يتعدى فكرة استخدام وسيلة نقل سهلة ومجانية من جانب الفتيات أكثر من أي شيء آخر قد يرد في مخيلة المعترضين. وجاءت التعليقات المساندة لمارينا وحملتها أكثر من تلك المعترضة عليها وهذا ما شجع منظمات مجتمع مدني أخرى على دعم الفكرة. واليوم تستعد مؤسسة «برج بابل» لإقامة مهرجان يحمل تسمية «عندي حلم... عندي بايسكل» الذي سيقام في 4 شباط (فبراير) المقبل. وتقول نائب رئيس مؤسسة برج بابل ذكرى سرسم ل «الحياة» أن الحملة تهدف إلى تشجيع الشباب من الطلاب والجامعيين والعاملين من الجنسين على استخدام الدراجات الهوائية في التنقل داخل بغداد التي أصبح التنقل فيها أمراً صعباً في الوقت الحاضر، وأنها ستتضمن معرضاً تشكيلياً للفنان محمد مسير الذي اشتهر برسم لوحات للفتيات وهن يقدن الدراجات الهوائية في شوارع بغداد، فضلاً عن مشاركة شخصيات عامة ومشاهير عراقيين يحكون قصصاً خاصة حول الدراجات الهوائية أو (البايسكل) كما يسميها العراقيون. وتضيف: «على سبيل المثل سيحكي المشاركون قصصاً طريفة وأخرى غريبة عن أول مرّة اشتروا فيها دراجة هوائية وكيف قادوها وأمور أخرى تتعلق بمواقف جميلة حصلت معهم في حياتهم مع الأهل والاصدقاء بسبب الدراجات الهوائية، ونحاول من خلالها الترويج لثقافة استخدام الدراجة الهوائية كوسيلة نقل عند الشباب من الإناث والذكور». الحملة سيرافقها انطلاق مهرجان الدراجات الهوائية من مقر «برج بابل» في شارع أبي نؤاس في الساعة 12 ظهراً إلى ساحة التحرير في بغداد ثم العودة إلى منطقة الجادرية وإلى «برج بابل» مجدداً، ويشارك في إعدادها أيضاً جمعية التشكيليين العراقين وتجمع شبابي يطلق على نفسه تسمية «رياضة ضد العنف»، فضلاً عن شباب وإعلاميين متطوعين. وتحاول المنظمة الحصول على موافقة وزارة الهجرة أيضاً لاستخدام الحملة لدعم العائلات النازحة بسبب الحرب على «داعش» لتوفير بعض الدعم والإسناد لها.