بعد يوم واحد من مطالبته بتعديل وزاري على حكومته لبناء دولة «عصرية» شن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هجوماً عنيفاً على مبدأ الديموقراطية التوافقية والمحاصصة اللذين «يجلبان الفساد» ودعا الى «شركاء أكثر شفاقية»، فيما انتقد مسؤولون أكراد وآخرون من «جبهة التوافق» (السنية) هذه الدعوات معتبرين انها «رد فعل» على تنامي قدرة البرلمان في محاسبة الوزراء، فضلاً عن «أهدافها الانتخابية»، فيما رحبت كتلة «الائتلاف العراقي الموحد» (الشيعية) بالدعوة الى التعديل الوزاري. وكان المالكي جدد امس دعوته السابقة الى انهاء الديمووقراطية التوافقية والمحاصصة اللتين بنيت على اساسهما العملية السياسية، لأنهما «تجلبان الفساد» ومشدداً على ان العراقيين اضطروا لاتباعها «لأن النفوس كانت مثقلة بالخوف والتهميش وعدم الثقة»، داعياً الى ضرورة العودة الى الدستور والقانون. واعتبر النائب عن «جبهة التوافق» احمد العلواني ل «الحياة» ان «دعوة المالكي لأجراء تعديل وزاري وانهاء الديموقراطية التوافقية «خطوة استباقية لما سيقوم به البرلمان خلال الاسابيع المقبلة من استمرار في عملية استجواب الوزراء المقصرين بعد ان فرغ البرلمان من استجواب وزير التجارة عبد الفلاح السوداني الذي سيواجه حجب الثقة عنه ضمن قائمة طويلة تشمل عددا من الوزراء الآخرين». واضاف العلواني ان «دعوات المالكي جاءت لأغراض انتخابية مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية» مشيراً الى ان «طرح رئيس الوزراء لاجراء تعديل وزاري يشمل وزراء كل الكتل السياسية يهدف الى الخروج من الحرج الذي شعرت به الحكومة بعد استجواب السوداني والتحضير لاستجواب وزراء آخرين». وحدد البرلمان الثلثاء المقبل موعدا للتصويت على حجب الثقة عن السوداني في جلسة علنية، فيما يستعد لأستجواب وزيري النقل والنفط. ولفت العلواني الى ان «البرلمان ماض في محاسبة الوزراء المقصرين والمتهمين بقضايا فساد اداري ومالي وحتى اولئك الذين عليهم ملاحظات بسيطة سيتم استضافتهم في البرلمان لمساءلتهم حول ادائهم خلال السنوات الثلاث الماضية». من جهته اشار القيادي في «التحالف الكردستاني» النائب عبدالخالق زنكنة في تصريح الى «الحياة» ان دعوات المالكي «غير واقعية مع بقاء اشهر على عمر الحكومة»، ولفت الى ان «الدعوة الحقيقية لأجراء تعديل وزاري يجب ان تسبقها حوارات بين الكتل السياسية والبرلمانية، وهو امر لم يحصل». وحذر زنكنة من ان تكون هذه الدعوات تأتي كرد فعل لأمتصاص الوضع السياسي الراهن الذي يشهد محاسبة وزراء مقصرين (...) أو للاستهلاك المحلي تسعى وراء اهداف انتخابية». لكن «الائتلاف العراقي الموحد» رحب بدعوات المالكي، وقال النائب قاسم داود زعيم «كتلة التضامن» إحدى مكونات «الائتلاف الموحد» ان «التعديل الوزاري يجب ان لا يشمل الوزراء الفاسدين فقط بل يجب ان يشمل ايضا المقصرين أيضاً الذين لا يقل ضررهم عن الفساد الاداري»، مشيرا الى ان «تفعيل الدور الرقابي للنواب ساهم بشكل كبير بهذه الدعوة». وكان المالكي ألقى كلمة أمس أمام مشاركين في مؤتمر حضره شيوخ كبار العشائر تنظمه قبيلة الدليم، قال فيها: «اضطررنا الى المحاصصة والديموقراطية التوافقية لأن النفوس كانت مثقلة بالخوف والتهميش، ولم يكن امامنا خيار سوى التوافق والمبدأ السيئ المحاصصة». وشدد على «العودة الى القانون والدستور ومبدأ التنافس والقائمة الوطنية والتلاحم بين المكونات بعيدا عن الانتماءات الطائفية، ولا بد ان تنتهي هذه المعايير من التوافقات والمحاصصة» التي وصفها بأنها «جالبة للفساد». واضاف: «كنا في بحاجة لطمأنة الشركاء، وحققنا ما امكن تحقيقه في ظل ذلك، لكن الاستمرار هو الضد لعملية الاستقرار السياسي». وشن المالكي هجوما آخر على شركائه في الحكومة بالقول «اننا نحتاج الى شركاء في العملية السياسية اكثر شفافية ووضوحاً لأن المسألة لا تتحمل ان يكون شريكا في العملية السياسية وفي الوقت ذاته خصما لها، قدماً هنا وقدماً هناك» معتبراً ذلك «تخريبا وتدميرا للبلد». واعتبر انه «لا بد ان نختار اما الدولة وتحمل المسؤولية، واما المعارضة. فالصيغ التي اضطررنا اليها، مثل الديمقراطية التوافقية والمحاصصة ربما كانت ضرورة في مرحلة بناء الدولة. لكن اليوم لا بد ان ننتهي ونعود الى القانون والدستور». وقال: «نريد بلدا لا يمنح تغطية لمجرم او مفسد بالمال العام» منتقداً بعض الأخطاء في قانون العفو أدت الى «اطلاق الكثير من المفسدين وكبار الارهابيين ممن تسببوا بالقتل المباشر» مؤكداً العمل «على تصحيحها»، مشدداً على ان «لا حماية لمفسد في قانون مشرع او في قوة سياسية مشاركة في الحكومة». وكان المالكي دعا امس الجمعة بمناسبة الذكرى الثالثة لتشكيل حكومته بتعديل وزاري معتبرا ان «الظروف مؤاتية» لبناء دولة «عصرية».