يطرح المشهد الدولي الآني المرتبك والملتبس من جراء التحذيرات الاميركية والأوربية وحتى العربية الخاصة بعودة شبح تنظيم القاعدة سؤالاً جوهرياً: هل فشلت الولاياتالمتحدة في حربها الهيولية ضد الإرهاب؟ وان كان كذلك فما السبب الرئيس وراء تلك الانتكاسة؟ ربما لا ينبغي لأحد ان يحاول هش الذباب بمطرقة فولاذية، ولكن هذا هو ما فعله الرئيس بوش في حربه الطائشة ضد الإرهاب، والمطرقة شيء ثقيل جداً يستخدم عادة في تكسير الأشياء الصلبة التي يصعب تحريكها من مكانها والتي تعوق الطريق نحو التقدم. وقد خيل للكثيرين ان أدارة اوباما قد وعت الدرس لكن ما أعلن عنه وهو القليل مقارنة بما اتخذ سراً من إجراءات عسكرية واستخبارية منذ توليه الرئاسة ضد القاعدة وأخواتها يدلل بشدة على ان أحادية الفكر القاضية باستخدام المطرقة الفولاذية ذاتها ماضية قدماً من دون تروٍ أو تمهل. في تقرير أخير لها تقول «نيوزويك» الاميركية ان قيادة تنظيم القاعدة التي حاكت ونفذت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 تعاني الآن مرارة اقتناصها وإلقاء القبض عليها، وقد تحول تنظيمها الى لفيف من الجماعات الأصولية الإسلامية، مثل حركة طالبان الباكستانية التي ورد اسمها في مؤامرة تفجير «تايمز سكوير»، وجماعة «عسكر طيبة» التي يعتقد على نطاق واسع أنها خططت لهجمات مومباي 2008، ومن ثم أصبحت القضايا التي يدعي البعض صلتها بتنظيم القاعدة أكثر شيوعاً. في هذا السياق أيضاً يصرح ستيفن سايمون، المدير السابق الرفيع المستوى في مجلس الأمن القومي والذي يعمل حالياً في مجلس العلاقات الخارجية، ب «ان الحقيقة قد تكون أكثر تعقيداً»: فالى حد ما تطورت فكرة القاعدة لتصبح مصطلحاً للتطرف الإسلامي الراديكالي، وباتت فلسفة أكثر من كونها أي شيء آخر. ترفض واشنطن حتى الساعة ان تدلنا على تعبير واضح مقنن ومحدد لمعنى الإرهاب وتترك الأمر لتفسيرات الهوى، وهذا بدوره يزيد من تعقيد اشكالية المواجهة. والشاهد أن كلمة TERRORISM قد استخدمت للمرة الأولى في 1795 وكانت الكلمة فرنسية مشتقة من كلمة لاتينية TERRERRE وهو التخويف. وقد استعملت لوصف الأساليب التي استخدمها «النادي اليعقوبي» بعد الثورة الفرنسية من إسكات واعتقال لمعارضيه. والحادث انه في الوقت الذي ترى واشنطن حركات تحرر بعض الشعوب من ربقة الاستعمار كجماعات إرهابية، فهي تزعم أن غزواتها العسكرية ومؤامراتها الاستخبارية إنما تحمل معاني الحرية وتدفع في سبيل الطهرانية الإيديولوجية، وتسعى لنشر الديموقراطية كما رآها سيد البيت الأبيض ذات مرة. ربما يحق لنا ان نتساءل: هل ما قامت به واشنطن وطوال تسع سنوات حتى الآن هو حرب على الإرهاب ام حرب على الغضب؟ هذا التساؤل والبحث الجاد عن إجابة عنه يقوداننا للوقوف على ناصية التقرير الأشهر الذي صدر بالتعاون بين مجلة «يو أس فورين بوليسي» و «مركز وودرو للشؤون العامة والدولية» في جامعة برنستون العريقة في الولاياتالمتحدة، والذي جاء يحمل رؤية أميركية واقعية تجيب عن علامات الاستفهام التي نحن بصددها. فقد وجهت المجلة صاحبة النفوذ الكبير أسئلة محددة ل 116 خبيراً أميركياً كانوا خليطاً من الجمهوريين والديموقراطيين حول التقدم الحاصل في الحملة الأميركية ضد الإرهاب. كان من بين هؤلاء وزير خارجية سابق، ومديرون سابقون للمخابرات المركزية وعشرات من المحللين الأمنيين... فماذا عن النتائج؟ لقد ذهب 84 في المئة منهم إلى أن الولاياتالمتحدة تخسر الحرب على الإرهاب، و86 في المئة إلى أن العالم أصبح اقل أمناً مما كان قبلاً، وتوقع 80 في المئة هجمة قوية جديدة على أميركا. أما عن الأسباب فتراوحت ما بين خسارة الحرب على الإرهاب بسبب التعامل مع العَرض وليس مع الأسباب الجوهرية وراء المرض، وبين القول إن شن الحرب على الإرهاب أشبه ما تكون بشن الحرب على الغضب وانك لا تشنها على الإرهاب بل على البشر، كما «أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط حولت العراق إلى أفغانستان جديدة، وهذا ساهم في تجنيد المزيد من الإرهابيين ودفع آخرين نحو التطرف». ظاهرياً، حسناً فعل الرئيس الأميركي باراك اوباما بنزع الربط الكائن في واشنطن منذ تسع سنوات بين الإرهاب والإسلام والمسلمين. لكن الازدواجية الأخلاقية الاميركية المشهورة لا تزال كامنة تحت الجلد، وتكافؤ الأضداد في الروح الاميركية ما برح يواكب معظم، إن لم يكن كل، السياسات الاميركية. وليس أدل على صدقية هذا الحديث من الموافقة السرية لإدارة اوباما على القيام بعمليات سرية ضد جماعات بعينها من أفغانستان مروراً بباكستان وصولاً الى اليمن والصومال. تبقى الإشكالية الحقيقة متمثلة في أن الانتصار في الحرب على الإرهاب يعني على المدى الطويل الانتصار في معركة الأفكار، ولأن غالبية الإدارات الاميركية لا دالة لها على معارك الأفكار لذا فان ساستها لا يتعلمون من التاريخ، ويظهرون أبداً ودوماً مثل الخاضعين لدافع قسري مهلك يحملهم دوماً على تكرار نفس الأخطاء على رغم دروس الماضي الرهيبة. * كاتب مصري