مساء غد ينتهي كل شيء، أو تقريباً كل شيء. إذ بعد إعلان أسماء الفائزين بجوائزه القليلة، لا يعود أمام مهرجان «كان» السينمائي هذه السنة ما يقدمه سوى أن يعرض طوال اليوم نفسه، الأفلام التي كانت شاركت في المسابقة، كي يشاهدها من عجز عن ذلك في حينه، وغالباً بسبب الزحام الشديد على الصالات وتضارب المواعيد وحيرة الاختيار. مَن يربح غدا؟ أمر يبدو مستحيلاً التكهن به، وجرت العادة على ان لجنة التحكيم تطلع في النهاية بأحكام تختلف كلياً عما كان متوقعاً يوماً بعد يوم. مع لجان التحكيم لا يمكن الركون حتى الى جودة فيلمٍ ما للقول سلفاً انه قد يربح. في النهاية تلعب في القرارات النهائية عناصر عدة، ومن هنا لا بد من أن يكون أي توقع حذراً ومجرد لعبة مسلية. من ناحية النقد الفرنسي والعالمي هناك تفضيلات برزت، تدور حول عدد محدود من الأفلام نذكر منها: «النبي» للفرنسي جاك اوديار، «نجم ساطع» للنيوزيلندية جين كامبيون، «عناقات محطمة» للأسباني المودوفار، وخصوصاً فيلم كوينتين تارانتينو الرائع «أوغاد سيئو السمعة»، وربما أيضاً فيلم الإيطالي المخضرم ماركو بيلوكيو «الانتصار» عن فصل من حياة موسوليني... هذه تقريباً هي الاختيارات الرئيسة للنقاد، لكن اختيارات المحكمين لا تأخذ عادة هذه الاختيارات في الحسبان، فهل تفعل هذه المرة؟ ساعات ويأتي الجواب. في انتظار ذلك لا بد من التوقف عند فيلم إيليا سليمان الجديد «الزمن الباقي» الذي راهن كثر عليه كواحد من الأفلام التي يتوقع بعضهم، او على الأقل يتمنى، لها الفوز بالسعفة الذهبية. ولكن بعد عرض الفيلم في الأيام الأخيرة للمهرجان، تضاءلت الاحتمالات، ليس لأن «الزمن الباقي» لا يستحق، بل على العكس هو فيلم جميل ومميز ومشغول، كالعادة لدى صاحب «يد إلهية» بذكاء وتهكم ومرارة وبلغة سينمائية شديدة الخصوصية، لكن المشكلة الأساسية والتي قد تشتغل ضد الفيلم تكمن في تعبير «كالعادة» الذي ذكرناه. ذلك ان القسم الثاني من «الزمن الباقي» يبدو ان لم يكن نسخة مكررة من «يد إلهية» وسابقه «سجل اختفاء»، فعلى الأقل، مواصلة لهما وإن بتطور لافت. والمشكلة ان هذا القسم هو الأقوى والأجمل في فيلم أراد أن يقول تاريخ فلسطين من خلال الإنسان الفلسطيني (والد ايليا سليمان ووالدته اللذين رأيناهما في فيلميه السابقين). صحيح ان القسم الأول لا يقل قوة عن الثاني - بل ان كثراً فضلوه على الأخير وربما لأنه نجح على الأقل في تقديم صورة لما حدث من الداخل ومن دون أيديولوجيا، ومن دون ذلك الزعيق السياسي الشعاراتي المعتاد. لكن المشكلة هنا تكمن في أنه كان علينا انتظار قرابة الساعة قبل أن نجد أنفسنا أمام ذلك البعد السينمائي الشيق والفريد لدى سليمان، ولا سيما منه ذلك المتعلق بتاريخ المنطقة وما حدث من خلال الأغاني! كل هذا سنعود إليه في حديث أكثر تفصيلاً عن «الزمن الباقي»، أما الآن فنضع أيدينا على قلوبنا مع الذين يشاركوننا حب سينما ايليا سليمان في انتظار معرفة ما الذي سيحصل مساء غد. وهو على أي حال انتظار قلق ومزدوج عنوانه فلسطين، حيث أننا من ناحية أخرى وإنما في السياق ذاته لا نجد ما يمنعنا من توقع فوز الفيلم الفلسطيني الآخر المعروض في المهرحان، وإنما في تظاهرة «أسبوعي المخرجين»، بجائزة الكاميرا الذهبية التي تمنح عادة للعمل الأول للمخرج، وهي الجائزة المالية الوحيدة في المهرجان، وإن فازت بها شيرين دعيبس سيكون في هذا دعم مزدوج، مالي ومعنوي، لكل هذه السينما الفلسطينية التي لا تتوقف عن إدهاشنا وإدهاش العالم وإن كررت نفسها أحياناً. بعد كل شيء أوليس كل ما يتعلق بفلسطين تكراراً في تكرار؟!