تمسك طفلها الرضيع بقوة وتضم آخر إليها، وهي تتحدث عن اختهما ذات السنوات السبع التي دفنت في حديقة المنزل منذ أسبوع وتقول: «لم تدفن كما يجب، الحفرة كانت صغيرة، ربما تخرجها الكلاب السائبة وتلتهمها». لم تكن السيدة التي عرفت عن نفسها باسم «مكارم» في كامل قواها، وهي تخاطب الضابط المسؤول عن حي القادسية (شرق الموصل) الذي تم تحريره منذ أيام وتحول ملجأ للنازحين من الأحياء التي باتت خط تماس، مستغيثة به كي ينقلها إلى حيث دفنت ابنتها، لكنه رفض طلبها، على رغم تأثره بما روته لأن عودتها تشكل خطراً على حياتها. فحي القدس كان ساحة معارك دامية بين الجيش وعناصر «داعش» وقد استعيد. لكن مناطق نفوذ الطرفين تتبدل من شارع الى آخر، وتتغير السيطرة عليها، إذ تنسحب قوة هنا وتتقدم أخرى. وتمضي السيدة التي تقطن الآن في منزل أحد اقرباء زوجها في حي القادسية، في رواية ما حدث لها، تقول إن عائلتها لم تخرج إلى باحة المنزل بين 20 و28 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، إذ كانت المعارك على أشدها في الحي، «لكن في 28 سمعنا أصوات جنود في الشارع يطلبون تفتيش المنزل، فاعتقدنا بأن كل شيء انتهى، حتى سقطت على منزلنا قذيفتا هاون من جهة عناصر داعش المنسحبين، وأصيبت ابنتي نبراس (7 سنوات) ووقعت معارك عنيفة في المنطقة لم تمهلنا لنقل الطفلة النازفة فتوفيت بين أيدينا وتعاونت مع والدها وعدد من الجيران على دفنها في الحديقة على عجل». لم تنته قضية السيدة مكارم عند هذا الحد، فالزوج المكلوم بفقدان ابنته، صرخ خلال دفنها بجملة واحدة: «هذا جهادكم يا داعش». وسمعه بعض الجيران من المناصرين للتنظيم وتتابع مكارم: «بعد انسحاب الجيش بشكل موقت من الشارع الذي نسكنه، قدم مسلحو داعش واصطحبوا زوجي معهم، وبعد ساعات تم تحرير حي القدس بشكل كامل وتم نقلي وطفلتي إلى حيث أنا الآن فتوجهت الى منزل أقارب زوجي». شهادات النازحين من خطوط التماس في الموصل تؤكد أن حدائق المنازل باتت مقابر لضحايا المعارك داخل الأحياء، ولا يتم دفنهم في المقابر النظامية إلا بعد دخول الجيش. النقيب معتز الكروي، المسؤول عن حي القادسية يؤكد ان عناصر من «داعش» او الموالين له «موجودون بشكل أو آخر وسط المدنيين وهؤلاء يتحينون الفرص لتنفيذ عمليات انتقامية، وسمعنا ان بعضهم يهدد الأهالي المتعاونين مع الجيش علناً لمنع إفشاء أسمائهم». لكن مشكلة السيدة مكارم ليست في دفن جثة طفلتها فحسب، بل اختفاء زوجها فلربما قتل وألقيت جثته في احدى الساحات انتقاماً منه، او قد يكون نقل الى الجزء الغربي من نهر دجلة، حيث مراكز التنظيم الأساسية، لكنها تصر على العودة للبحث عنه لكن الضابط يحسم الجدل بصرامة: «لن نسمح لك بالعودة الى حي القدس قبل تأمينه بشكل كامل»، وقال بعد مغادرتها المكان: «قريب زوجها طلب منا أكثر من مرة أن نمنعها مع طفليها من العودة فالمنزل الذي دفنت طفلتها في باحته شبه مهدم، وزوجها قد يكون ابتلعه دجلة».