على رغم الموازنات الهائلة التي تحظى بها الجامعات السعودية، وتكاد تقارب موازنات دول عربية (موازنة جامعة الملك سعود تبلغ بليوني دولار سنوياً) ووسط قوانين وبرامج ومشاريع تتسابق في الإعلان عنها الجامعات، يشهد الواقع على الأرض وبين أروقة الكليات نوعاً من «السلحفائية» في التطور، خصوصاً في ما يتعلق بالأبحاث العلمية، وتحديداً ما يرتبط بالبحث الأكاديمي الذي يكلف به الطلاب. وفيما يظل نظام التعليم الجامعي في السعودية قائماً على التلقين وحقن المعلومات من جهة واحدة، يبقى الطالب أو الطالبة غالباً مجرد مستقبل سلبي لا يملك سوى الانصياع إلى إملاءات أساتذته، وهو ما يدفع إلى التساؤل عما إذا كانت هذه الاعتمادات الأكاديمية وما يدور من حديث عن الجودة والتطوير مجرد حبر على ورق. أحد العوائق الكبرى المواجهة للباحثين في مهماتهم شح المراجع أو عدم جدتها، إذ يضطرون أحياناً إلى تحمل عناء السفر بحثاً عن المراجع، أو يعييهم انتظار معرض للكتاب لعلهم يجدون فيه ما لا يتوافر في المكتبات الجامعية ومراكز البحوث التابعة لجامعاتهم. المحاضِرة في جامعة الطائف أمل القثامي التي تعكف على إنجاز اطروحة الدكتوراه في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، لا تعتمد بشكل كبير على مركز البحث أو المكتبة الجامعية. وتقول: «مكتباتنا فقيرة، وتفتقد تنوع المراجع وجدتها، لذا أعتمد على المكتبات التجارية، أو شراء الكتب بالمراسلات من طريق الانترنت، وأحياناً انتظر معارض الكتب، وفي الحالات الماسة نستعين بمكتبات أساتذتنا الخاصة». وتعتبر أمل إعداد البحث في ظل غياب المرجع «أزمة حقيقية» تقف أمام الباحث لمواصلة مشواره العلمي، وتقول: «على الجامعات أن توفر للباحث سُبل الوصول للمرجع بيسر». وتؤكد منى محمد التي تعد رسالة الماجستير في جامعة أم القرى أن الجامعات السعودية في غالبيتها أماكن لتلقين المعلومات، و»الفارق أن الطالب في الثانوية وفي مراحل التعليم العام يتلقى المعلومات وفقاً لمقررات وزارة التربية والتعليم، بينما طالب الجامعة يلقَّن أفكار أستاذه وآراءه». وتشير محمد إلى أنهم في السنة المنهجية من مرحلة الماجستير كلفوا بأكثر من بحث: «كان بعض الأساتذة يحددون المراجع المطلوب النقل عنها سلفًا، وبعضهم يكلفنا بأبحاث لا هدف من ورائها إلا حشد وقت الطالب بالتكليفات والواجبات». وتتساءل: «ما الهدف من بحث نظري يتكلم عن المنهج التاريخي لطالب دراسات عليا، أو بحث عن موقف الإسلام من الشعر؟». وتضطر منى إلى استجداء الكتب من زميلاتها إن لم تستطع العثور عليها في المكتبات أو من طريق المراسلة. وتضيف: «قد يصل الأمر أحياناً إلى الاتصال بمؤلفي الكتب وطلب كتبهم ودراساتهم، كما أستعين بمحرك البحث «غوغل» ليدلني الى المراجع التي أحتاجها وعلى دور نشرها». لكنها تستطرد: «لا أعتمد على الإنترنت كمرجع، وإنما أداة للوصول للمراجع الورقية، فأنا اعتمد غالباً على مكتبتي الخاصة التي كونتها من المكتبات التجارية ومواقع بيع الكتب على الإنترنت، أمَّا المكتبة الجامعية فنادراً ما ألجأ إليها». في المقابل، يعتقد الأستاذ في كلية اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور محمود آل عمار أن جميع الجامعات العربية فيها مقرر خاص بالبحث، يتعلم من خلاله الطالب منهجية البحث وأصوله ويقوم ببعض البحوث في ضوء ذلك، معترفاً بأن مردود هذا المقرر على الطلاب محدود. ويقول: «من أهم مصادر تقويم الطلاب إعداد بحث أو أكثر في جانب من جوانب المقرر، أو القيام بنشاط يخدم المقرر لا يبعد في طبيعته عن منهج البحث، ولو استثمر ذلك جيداً لأجاب عن هذا التساؤل، وحبذا لو وضع حد لكثافة قاعات الدراسة في الجامعات، كي يستطيع الأساتذة متابعة تلاميذهم في جميع المستويات». ويحاول آل عمار أن يبرهن خطأ الاتهامات الموجهة للجامعات، بأن يطرح سؤاله: «من قال إن من المقبول أن يكون التعليم في المدارس أو الجامعات تلقينياً؟». ويضيف: «أعتقد أن الزمن الذي كان فيه التعليم تلقينياً ولّى، فشخصية الطالب اليوم تأبى هذا النوع من التعليم، وتفرض على المعلم الخروج من هذه الشرنقة إلى فضاء البحث والاستنباط». وتابع: «عندما يكون التعليم تلقينياً تصبح الجامعات محلاً لصناعة أشرطة الكاسيت، أو لبيع الطيور الملونة وأبرزها الببغاء. الطالب يكرر ما يحفظ من دون أن يؤثر ذلك في سلوكه وفكره واتجاهاته». بينما يرى أستاذ الأدب العربي الحديث في جامعة الملك سعود الدكتور سلطان القحطاني غير ذلك، فهو يرى أن كثيراً من المشكلات تحصل بسبب قلة المعلومات الحديثة، والنقل التقليدي: «هي سمة جرت عليها غالبية الجامعات العربية في الدراسات العليا التي تقوم على النقل من السابق ويلحق به اللاحق، خصوصاً في الدراسات الميدانية والأدبية، ففي التربية تقوم غالبية الدراسات على المسح الميداني والاستطلاعات المكتوبة سلفاً على شكل استمارات، ولا تختلف إلا في الأسماء والشكل الخارجي، في حين أن مضمونها لا يتغير عن سابقاتها». ويضيف: «اطلعت على عدد من رسائل الماجستير عن الدراسات التي أجريت على مدارس المملكة في طرق تدريس بعض المواد، فلم أجد الفارق إلا في اسم المرحلة أو المادة المدروسة، وكلها تفريغ إجابات المستطلعين».