يتطلع لبنان الرسمي والشعبي الى أهمية المحادثات التي سيجريها اليوم رئيس الجمهورية ميشال عون مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في الرياض، في زيارته الأولى خارج البلد منذ انتخابه رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، لما يترتب عليها من نتائج إيجابية من شأنها أن تدفع في اتجاه إعادة لبنان الى الخريطة الخليجية في أعقاب ما شاب العلاقات اللبنانية - الخليجية من فتور بسبب الشغور في رئاسة الجمهورية والتباين في المواقف حيال الحرب الدائرة في سورية. ويفترض أن يتوجه الرئيس عون الى الرياض بعد ظهر اليوم على رأس وفد وزاري موسع يضم وزراء الخارجية والمغتربين جبران باسيل، والداخلية نهاد المشنوق، والمالية علي حسن خليل، والدفاع الوطني يعقوب الصراف، والتربية والتعليم العالي مروان حمادة، والإعلام ملحم رياشي، والاقتصاد والتجارة رائد خوري وشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول. ويرأس عون اجتماعاً للوفد الوزاري المرافق له للتداول في أبرز العناوين التي تتصدر محادثاته مع خادم الحرمين الشريفين وكبار المسؤولين السعوديين، خصوصاً أن الوزراء سيعقدون لقاءات ثنائية مع نظرائهم في المملكة العربية السعودية. وينتظر أن تستمر زيارة عون الى الرياض حتى صباح الأربعاء على أن يتوجه منها الى الدوحة للقاء أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في زيارة رسمية تنتهي الخميس المقبل. لكن انشغال عون والوزراء أعضاء الوفد في محادثاتهم في الرياضوالدوحة، لن يمنع انعقاد الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء بعد غد الأربعاء في السراي الكبيرة، برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري. وقالت مصادر رسمية ل «الحياة» إن لبنان يتوقع من محادثات الرياض أن تؤدي الى طي صفحة الماضي لمصلحة فتح صفحة جديدة تؤشر الى أن العلاقات الثنائية بين البلدين تجاوزت مرحلة الإرباك وباتت الآن أمام مرحلة سياسية جديدة تعيد هذه العلاقات إلى ما كانت عليه في السابق. ولفتت إلى وجود رغبة لبنانية ليس في تجاوز تداعيات المرحلة الصعبة التي مرت فيها العلاقات الثنائية إبان فترة الشغور في رئاسة الجمهورية فحسب، وإنما في الإصرار على إعادة الروح لهذه العلاقات وتطبيعها في اتجاه تفعيلها وتعزيزها على المستويات كافة، اقتصادياً وتجارياً وسياسياً، لما تشكله السعودية من ثقل في مجلس التعاون الخليجي يمكن الإفادة منه الى أقصى الحدود، لجهة تشريع الأبواب أمام مجيء رعايا الدول الأعضاء في المجلس الى لبنان لتمضية موسم الصيف في ربوعه، إضافة الى إعادة ما انقطع من تعاون اقتصادي واستثماري بين لبنان وهذه الدول. واعتبرت أن أهمية المحادثات اللبنانية - السعودية تكمن في إعادة التواصل على مستوى القيادتين بين البلدين لما ستكون له من مفاعيل إيجابية تنسحب على المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية. وقالت إن عون والوفد الوزاري المرافق سيعرضان وفق اختصاصات الوزراء لواقع الحال في لبنان في ضوء تحمله القسط الأكبر من الأعباء الملقاة على عاتقه نتيجة استضافته لأكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري بما يفوق قدرته على تغطية تكاليف هذه الاستضافة، نظراً إلى الوضعين المالي والاقتصادي اللذين يرزح البلد تحت وطأتهما، ما يستدعي مبادرة المجتمع الدولي الى رفع منسوب مساهمته المالية في هذه التكاليف. ورأت ان محادثات عون مع خادم الحرمين يفترض أن تشكل رافعة لمستوى التعاون بين البلدين في عدد من المجالات. وقالت إنهما سيبحثان في الوضع في المنطقة والتقلبات السياسية والعسكرية التي تمر فيها، إضافة الى تبادل الرأي في مواجهة الإرهاب والتطرف باعتبار أن البلدين شريكان في التصدي للمجموعات الإرهابية والتكفيرية. وأضافت مصادر وزارية مواكبة للمحادثات اللبنانية - السعودية أن الرئيس عون هو من دعاة العمل العربي المشترك في مواجهة الإرهاب وأسبابه، خصوصاً أن الأجهزة الأمنية في البلدين تملك الخبرة الكافية في مكافحته وإلقاء القبض على الخلايا النائمة التي تخطط للقيام بتفجيرات في البلدين للإخلال بالأمن والاستقرار. وأكدت المصادر أن عون سيتوقف في مجال مكافحة لبنان للإرهاب أمام الإنجازات التي حققتها القوى الأمنية اللبنانية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، خصوصاً في العمليات الاستباقية التي نفذتها، ومنعت المجموعات الإرهابية من استهداف مراكز أمنية وحيوية وتجمعات سياحية وسكنية. وأوضحت المصادر عينها أن عون والوفد المرافق له سيناقش أبرز هذه العناوين في محادثاته مع أمير قطر إضافة الى طلب مساعدة الدوحة في الكشف عن مصير تسعة عسكريين لبنانيين لا يزالون مختطفين لدى تنظيم «داعش» الإرهابي. وقالت إن طلب مساعدة قطر في هذا المجال يتزامن هذه المرة مع دخول وسيط لبناني على خط الاتصالات مع «داعش» لمعرفة مصير هؤلاء العسكريين، لا سيما أن هذا الوسيط كما قال المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم المكلف من الحكومة اللبنانية بمتابعة ملف العسكريين المختطفين، هو موضع ثقة وقادر على التواصل مع الجهة الخاطفة. لذلك يعوّل الجميع في لبنان على ما ستنتهي إليه المحادثات اللبنانية - السعودية التي يراد منها أن تصب في خانة إعادة الحرارة الى العلاقة بين بيروتوالرياض، لما للأخيرة من موقع في الخريطة العربية يمكن لبنان الإفادة منه لتدعيم الاستقرار الاقتصادي الذي يؤثر في تثبيت الاستقرار الأمني، إضافة الى أن هذه المحادثات هي بمثابة المفتاح للبنان لإعادة تطبيع علاقاته بدول مجلس التعاون الخليجي.