عندما حذرت في مقالي السابق بأن قبول عذر القاضي المسحور سيفتح عليهم باب الجن لم أكن أدري أن هذا الخيال أفقر من الواقع، وان غداً أقرب لناظره مما تخيلنا، فاليوم نحن أمام محكمة تستدعي الراقي الشرعي لتستمع لشهادته، والذي أكد بأنه سمع الجني الذي بداخل القاضي وطلب القاضي تسجيل أقوال الجني وحديثه، مما يدل على وضع عذر القاضي تحت مجال التدقيق والمعاينة، وقبول شهادة الراقي، ولم يبق على المحكمة سوى أن تصدر أمراً بإحضار الجني. بحسب خبرتي البسيطة - وبحسب المخطوطات والمنشورات للمداوين وأصحاب التجارب الخزعبلاتية - فإن أعراض السحر هي أعراض مختلفة عن تلبس الجان بالإنسان ولا يصح الجمع بينهما ولو عند قاض، وكلاهما عند أطباء وعلماء النفس في الجامعات - الذين لن تأخذ المحكمة بشهادتهم للأسف - أعراض لأمراض كالشيزوفرينا، والاكتئاب الحاد، والاضطراب العقلي، لكن فراغ عيادات الطب النفسي في الدول العربية وتكدس المراجعين عند الرقاة تؤكد لنا بأن شيوخ الرقية (أبخص) وأنهم هم الذين يفهمون دواعي أزمتنا الأخلاقية من فساد الذمم وضعف الضمير وانتشار الفساد وكلها أمراض تسبب بها الجن والسحرة، وفيما كنا بالأمس في مواجهة مشروع تغريبي، صرنا اليوم في مواجهة مشروع تخريبي بقيادة الجن والسحرة، ولم نعد نعرف على من «نشره» على القاضي المسحور أم على القاضي الحريص على الأخذ بشهادة الجن والسحرة! اعتماد شهادة الراقي الشرعي في قضية القاضي المسحور وتأكيده على أنه تحدث مع الجني شخصياً، ينقل القضية من كون تلبس الجان البشر ظواهر منتشرة بين العوام، إلى كونها ظاهرة قضائية، مما يوجب استحداث احترازات جديدة كبديل عن لجان التفتيش الإدارية، واستبدالهم بلجان تفتيش تراقب خلو القضاة من الجن والسحر، لأن أهم شروط عمل القاضي هو سلامة العقل والاتزان النفسي، مما يجعل من اعتراف قاض بأنه مارس عمله وهو يعلم أنه تحت تأثير السحر وتداوى عند راق شرعي، يجعل منه متورطاً أكثر ولا يعفيه من الخطأ لأنه كان يعرف أنه في هذه الحال ليس جديراً بالإمساك بميزان العدل الذي قد يهزه الجن. باب الجن والسحرة هو باب يدخل منه الدجالون والنصابون والمضطربون عقلياً ونفسياً، ولأننا حتى اليوم لا نعرف من سنخاطب بعد ثبوت تورط الجن مع البشر في عمليات الفساد هذه، ولأن الجن ليس لديهم حكومة ولا منظمة أنتربول يسهل التخاطب معها فيما لو طلبنا منهم تحضير الجني النصاب، فإننا يجب أن نوقف تعاملاتنا مع الجن، وعدم قبول شهادتهم لحين قيام مخاطبات رسمية تكفل حقوق الناس لدينا ولهذا فإن التعامل مع الجن مرفوض. [email protected]