رحلت الناقدة المسرحية المصرية الدكتورة نهاد صليحة، مساء الجمعة، عن عمر يناهز 71 سنة، إثر صراع طويل مع المرض حُرمت فيه من جولاتها اليومية على مسارح الجمهورية ومراكز شبابية لتلبية دعوات من تلاميذها لمشاهدة عروضهم ثم إبداء ملاحظاتها، وهو ما جعل المسرحيين كافة في مصر تلاميذ لها، سواء هؤلاء الذين تلقوا تعليمهم منها في إحدى قاعات المعهد العالي للنقد الفني أو الذين لم تجمعهم بها سوى وقفة جانبية في كواليس المسرح عقب العرض. وتعد صليحة من القلائل الذين جمعوا بين اتجاهات النقد الأكاديمية والتطبيقية، وهي من أبرز وجوه جيل ما بعد الرواد الأوائل للنقد المسرحي مثل محمد تيمور، عبدالمجيد حلمي، زكي طليمات، مروراً بلويس عوض، محمد مندور، وفاروق عبدالوهاب. تخرجت صليحة في كلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة الإنكليزية عام 1966، ثم نالت الماجيستير في اللغة الإنكليزية وآدابها من جامعة ساسكس في إنكلترا، ونالت درجة الدكتوراه في «الدراما» من جامعة إكسيتر في إنكلترا أيضاً. وعملت فترة في جامعة الملك عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية أستاذة لمادة الدراما وشكسبير، قبل أن تعود إلى مصر وتستقر فيها كأستاذة في المعهد العالي للنقد الفني منذ عام 1984 حتى وفاتها. وشغلت خلال تلك الفترة منصب عميدة المعهد (2001 إلى 2003). كما أشرفت على قسم النقد المسرحي في جريدة «الأهرام ويكلي» (الأهرام باللغة الإنكليزية) منذ عام 1989 حتى وفاتها، وكانت عضواً في اللجنة العليا للمسرح في المجلس الأعلى للثقافة، وعضو لجنة الدراما في قطاع الإنتاج للإذاعة والتلفزيون. تنوّعت مساهمات صليحة في المسرح المصري بين دراسات نقدية وترجمات أدبية وأبحاث في فنون الأداء ونظرياته، وهو ما جعلها الناقدة المسرحية الأشمل، وكانت أول من استخدم المنهج السميائي في النقد المسرحي العربي. من مؤلفاتها: «المسرح المصري مسرحيات ومسرحيون»، «المسرح المصري واتجاهات جديدة»، «التيارات المسرحية المعاصرة»، «المسرح عبر الحدود»، و»ما بعد الحداثة والفنون الأدائية». ويظل عمل صليحة الأبرز دعمها الفرق المستقلة، عبر وقوفها خلف إطلاق المهرجان الأول للمسرح الحر عام 1990. عن ذلك يروي المخرج المسرحي عمرو دراوة: «انطلقت الشرارة الأولى لتأسيس الفرق المسرحية المستقلة حين قررت وزارة الثقافة تأجيل الدورة الثالثة لمهرجان «القاهرة الدولي للمسرح التجريبي» بسبب أحداث حرب الخليج، وهو ما رفضته فرق الهواة التي اعتبرت ذلك المهرجان متنفساً لها. وهنا برز دور صليحة التي اجتمعت بفرق الهواة وحضّتها على إعادة تنظيم نفسها كفرق مستقلة. ووافق وزير الثقافة المصري آنذاك فاروق حسني، على تنظيم المهرجان الأول للفرق الحرة شرط عدم مشاركة فرق الدولة، وحقق المهرجان نجاحاً كبيراً بخاصة بعدما أصبحت الفرق المشاركة هي النواة الأولى للفرق المستقلة وأيضاً لغالبية عروض «مركز الهناجر للفنون» بعد ذلك». حصدت صليحة العديد من التكريمات على جهودها الغزيرة للمسرح المصري، فكرمها مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بمنحها شهادة تقدير على جهودها عام 1996، ونالت جائزة الدولة للتفوق في الأدب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2003، كما كرمت في الدورة الرابعة عشرة من مهرجان دمشق المسرحي عام 2008. وأشاد وزير الثقافة حلمي النمنم بدور الناقدة في «إثراء الحياة الفنية المسرحية بمؤلفاتها المميزة، وكتبها المترجمة، ومقالاتها الثرية، فكانت من أهم رائدات حركة النقد المسرحي في مصر». ونعاها رئيس قطاع الإنتاج الثقافي والمخرج المسرحي خالد جلال بقوله: «لا توجد كلمات تعبر عن مدى فقدي لك يا من كنت حائط الصد الأعظم لحماية جميع أبنائك، يا نهاد. سأقص عنك ما يجعلك دوماً في قلوب أبنائي، إلى أن نلتقي».