عاد تحقيق وحدة مكافحة الفساد في الشرطة الإسرائيلية مع رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، للمرة الثانية هذا الأسبوع في شأن شبهات حصوله على «منافع مالية كبيرة»، إلى واجهة اهتمام الساحتيْن السياسية والإعلامية، على رغم أن الغموض ما زال يكتنف مضمون التحقيق في «الملف الثاني» الذي يتكتم على تفاصيله المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت، تاركاً لوسائل الإعلام اجتهادات التكهن، وهذه بدت عاجزة عن فك الطلاسم، مكتفيةً بالتأكيد أن «المخفي أعظم»، وأن الشبهات في هذا الملف «أخطر بكثير» من تلك الواردة في الملف الأول، والمتعلقة بتلقي نتانياهو وزوجته هدايا ثمينة من رجال أعمال أثرياء. وطبقاً للتقارير، فإن التحقيق الذي تم مساء أول من أمس ودام خمس ساعات، وهو الثاني بعد التحقيق الأول الاثنين الماضي، وكلاهما تحت طائل التحذير القانوني، تناول «الملف الأول» الأدلة الموجودة لدى الشرطة بأن نتانياهو تلقى في السنوات الثماني الماضية، وبوتيرة سريعة وثابتة، هدايا ثمينة من صديقه رجل الأعمال الثري أرنون ميلشين تمثلت أساساً في كميات من السيغار الفاخر (ثمن الواحد بين 25 و50 دولاراً) فيما تلقت زوجته من الرجل نفسه زجاجات شمبانيا فاخرة طلبتها (قيمة الواحدة نحو مئة دولار)، علماً أن الثري المذكور شريك بنسبة 10 في المئة في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي. وطبقاً للتقديرات، فإن مجمل ما تلقياه قد يصل إلى عشرات آلاف من الدولارات. وأفادت تقارير إعلامية بأن المحققين واجهوا نتانياهو بأسماء أثرياء منحوه الهدايا، وبأسئلة عن الملف الثاني، بعد أن كانوا جمعوا قبل أيام «إفادة مهمة» من مشتبه به ضالع في هذا الملف. وحظر المحققون على نتانياهو إجراء أي اتصال مع أي من الضالعين في القضية الثانية تحسباً لتشويش مجرى التحقيق. وذكرت الشرطة أن ثمة تخوفاً من هذا التشويش من جانب مشتبهين في «القضية الثانية والأخطر». ونقلت وسائل الإعلام العبرية عن أوساط نتانياهو أنه لم ينفِ تلقيه هدايا من أصدقائه «لأن هذا متبع بين أصدقاء»، وأن هذا لا يعني أبداً مخالفة جنائية، وأنه ليس ملزماً قانونياً بتقديم تقرير عن الهدايا التي يتلقاها من أصدقائه. ولا يعتبر القانون الإسرائيلي تلقي هدايا «جنايةً» أو مخالفة قانونية، إنما في أقصى الحالات «مخالفة» ل «نظام خدمات الدولة». لكن سبق للمحكمة العليا أن أوضحت في شكل قاطع أنه في حال كانت الهدية «خارج المألوف والمتبَّع» بين أصدقاء، من ناحية قيمتها المالية ووتيرتها، فإن الأمر «يثير شبهات بأن في ذلك فساداً». وشددت المحكمة على أنه عندما تُعطى هدية لشخصية اعتبارية، فإن مقدمها يتوقع أن يتلقى مقابلاً ما، وهذا يعزز شبهة الفساد، منوهةً أيضاً إلى أنه تقع على كاهل متلقي الهدية مسؤولية الإقناع بأن الحديث يدور عن «هدية عادية». وفي حال وُجهت الى نتانياهو تهمة الفساد، فإن القانون لا يلزم بأن يثبت المتلقي بأنه أعطى مقابلاً أو صنع جميلاً لمقدم الهدية، إنما «كان عليه أن يفترض، على خلفية حجم الهدية ووتيرتها، أن مقدمها فعل ذلك كرشوة». ووجّه رجال قانون انتقادات للمستشار القضائي مندلبليت بسبب إصراره على التأكيد في بياناته أن التحقيق يتناول شبهات بتلقي «منافع مالية كبيرة» وليس شبهة الفساد الذي يعتبر مخالفة جنائية. وبرأي أستاذ القانون موشي نغبي، فإن الشبهات المنسوبة لنتانياهو، حتى لو وصفها المستشار بأنها مجرد منافع مالية، هي من شبهات الفساد الأخطر، «إذ لا يعقل أن يصدر المستشار أمره بالتحقيق لو لم تكن لديه قاعدة متينة من الأدلة». وأضاف أنه يتوجب على نتانياهو وحده تفنيدها. والمتبع في إسرائيل منذ عقدين أنه في حال قدمت لائحة اتهام بالفساد ضد شخص منتخب، أو أعلن المستشار أنه بصدد تقديمها، يقدم المنتخَب الاستقالة. إلى ذلك، قدم نائب من «المعسكر الصهيوني» المعارض وآخرون التماساً إلى المحكمة العليا بإرغام المستشار على التصريح علناً عن الشبهات المنسوبة الى نتانياهو في ملفيْ التحقيق، وإصدار أوامره للشرطة بفتح تحقيق آخر في «قضية الغواصات»، أي شراء غواصات ألمانية بوساطة محامٍ مقرب من نتانياهو.