يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو شبهات بتلقي «هدايا مخالفة للقانون»، ما قد يهدد مستقبله السياسي، على الرغم من عدم وجود أي منافس حقيقي له في الدولة العبرية. واستجوبت الشرطة الإسرائيلية نتانياهو في مقر إقامته في القدس على مدى ثلاث ساعات مساء الإثنين، وذلك بشبهة تلقيه «هدايا خلافاً للقانون» من رجال أعمال أثرياء. وكانت الشرطة تجري تحقيقاً استمر لأشهر، وأصبح اليوم تحقيقاً جنائياً. وأثار استجواب نتانياهو ضجة كبيرة في الساحة السياسية الإسرائيلية، مع تساؤل البعض إن كان هذا سيؤدي إلى سقوطه. ونفى نتانياهو في شريط فيديو نشره على موقع «فايسبوك» أي تورط له بالفساد. وقال «نسمع كل تقارير الإعلام، ونرى ونسمع الأجواء الاحتفالية في استوديوهات التلفزيون وفي أروقة المعارضة». وأضاف «أريد أن أقول لهم إن عليهم الانتظار من أجل الاحتفال. لا تتسرعوا. قلت لكم وأكرر لن يكون هناك أي شيء لأنه لا يوجد أي شيء». كما كتب على صفحته في «تويتر»: «سنوات طويلة من الملاحقة اليومية ضدي وضد أفراد عائلتي اتضحت أمس (خلال التحقيق) أنها لا شيء». ثم عدّد كل ملفات الفحص ضده التي وصفها بأنها «هراء. لا شيء. ولن يكون شيء، لأنه لا يوجد شيء». لكن نتانياهو تفادى التطرق إلى ملفات أخرى «إشكالية». أما المحللون، فيرون أن هذا التهديد (التحقيق) يبدو أكثر خطورة من قضايا سابقة. وتقول غاييل تالشير، الأستاذة في العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، إنه «في المرتين السابقتين اللتين كانتا في الإطار ذاته، حاول القول: أنتم تلاحقون زوجتي، وتلاحقون حياتي الخاصة، هذه طريقة غير قانونية لعكس نتائج انتخابات ديموقراطية». وأضافت: «أعتقد أن استراتيجيته ستكون ذاتها، إلا أن الأمر يبدو أكثر خطورة هذه المرة». ولا تتوافر معلومات كثيرة عن التحقيق الذي يشرف عليه مدعي عام الحكومة أفيخاي ماندلبليت. وكانت متحدثة باسم الشرطة الإسرائيلية أعلنت في بيان مساء الإثنين: «لا يمكن إعطاء أي تفصيل آخر في الوقت الراهن» بشأن التحقيق مع نتانياهو، فيما ذكرت وزارة العدل في بيان أن استجواب نتانياهو تولاه محققون من وحدة «لاهاف 443» التابعة للشرطة والمختصة بمكافحة الفساد. وشددت وزارة العدل على أن بعض المعلومات التي تلقتها الشرطة خلال التحقيق في هذه القضية، ومفادها أن نتانياهو تلقى «بصورة منتظمة» من أثرياء رحلات سفر إلى الخارج إضافة إلى هدايا، لم تصل إلى درجة إثارة «شك معقول بحصول جرم يبرر فتح تحقيق جزائي». وندد وزير التعاون الإقليمي تساحي هنيغبي، المقرب من نتانياهو، بما قال إنه «حملة استفزاز وتحريض تشنها وسائل الإعلام» للضغط على مدعي عام الحكومة ليسمح للشرطة باستجواب رئيس الوزراء. وفي المقابل، انتقد معلقون ماندلبليت، الذي تم تعيينه بدعم من نتانياهو، بسبب رفضه لأشهر السماح للشرطة بالقيام بالاستجواب. وكانت الشرطة أجرت تحقيقاً سرياً حول الملف قبل ثمانية إلى تسعة اشهر. وساهم استجواب نحو خمسين شاهداً في «تحقيق اختراق حاسم» في التحقيق قبل ثلاثة أسابيع، بحسب وسائل الإعلام. وبين الذين تم التحقيق معهم، الملياردير الأميركي اليهودي رونالد لاودر رئيس المؤتمر اليهودي العالمي خلال زيارته إسرائيل، للمشاركة في جنازة الرئيس السابق شيمون بيريز في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي. وفي قضية أخرى في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أمر ماندلبليت الشرطة بالتحقيق في مزاعم حول دور غير قانوني لأحد المقربين من نتانياهو في عملية شراء إسرائيل ثلاث غواصات ألمانية. وكان رئيس الوزراء أقر بأنه تلقى مالاً من رجل الأعمال الفرنسي أرنو ميمران الذي حكم عليه في تموز بالسجن ثمانية أعوام في قضية احتيال بقيمة 283 مليون يورو. وفي أيار (مايو)، تطرق تقرير لمراقب الدولة إلى رحلات بالطائرة قام بها نتانياهو وعائلته حين كان وزيراً للمال بين 2003 و2005، مشيرا إلى إمكان حصول تضارب في المصالح. وأثارت هذه المزاعم شهية خصوم نتانياهو كافة، بانتظار إشارات محتملة حول تراجع دعمه لدى الرأي العام. وتشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن الإسرائيليين يعتقدون أن نتانياهو، الذي يقود الدولة العبرية منذ عام 2009، ما زال السياسي الأكثر قدرة على إدارة شؤون البلاد. ولا يوجد أي منافس حقيقي ل «بيبي» على الساحة. وقالت الاستطلاعات إن حزب «الليكود» اليميني الذي يتزعمه نتانياهو قد يأتي في المرتبة الثانية بعد حزب «يش عتيد» (هناك مستقبل) الوسطي، بينما لا يزال الناخبون يفضلون نتانياهو كرئيس للحكومة. ويرى المحللون أن السبب هو أن الناخبين لا يرون أي بديل حقيقي لنتانياهو، إلا أن هذا قد يتغير في حال تم تنظيم حملة انتخابية. ويقضي سلف نتانياهو، رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت منذ شباط (فبراير) الماضي حكما بالسجن ل 27 شهراً بعد إدانته بالفساد. واضطر أولمرت إلى الاستقالة بسبب هذه الاتهامات. وأكد عاموس عسائيل، وهو معلق في صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية الصادرة باللغة الإنكليزية، ومدير تحريرها السابق أنه «مع إيهود اولمرت، كانت هناك لحظة تخلى فيها أتباعه عنه لأنهم اقتنعوا بصحة الادعاءات». وتابع: «لا أرى ذلك الآن مع رئيس الوزراء نتانياهو»، إلا أنه حذر من أن الكشف عن المزيد من المعلومات قد يغير مجرى الأمور. وكتب حيمي شاليف في صحيفة «هآرتس» اليسارية، أن نشر مثل هذه التفاصيل قد «يضرب شخصيته العامة وقد يظهره بصورة يائس يسعى للحصول على امتيازات». وأضاف: «عندما يحدث ذلك، فإن نتانياهو سيدخل في موت سياسي وستفوح رائحة انتخابات جديدة في الأفق».