بدت موسكو أمس في وضع المحرج بين قوتين إقليميتين لكل منهما كلمة أساسية في جهود تثبيت وقف النار في سورية وإطلاق مفاوضات للحل السياسي من المقرر أن تستضيفها أواخر هذا الشهر مدينة آستانة عاصمة كازاخستان. واتهمت تركيا صراحة القوات الحكومية السورية و «عناصر حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية» بأنها هي من يخرق وقف النار من خلال هجومها على وادي بردى قرب دمشق، داعية إيران إلى ممارسة ضغوط، وقالت إنها تعمل مع روسيا على فرض عقوبات على من ينتهك هذه الهدنة السارية منذ ستة أيام. في المقابل، أكدت إيران أنها و «المستشارين العسكريين» التابعين لها في سورية «يعملون من أجل صمود وقف النار»، لكنها دافعت عن هجوم الجيش السوري على وادي بردى، بحجة أنه يضم مسلحين محسوبين على «جبهة النصرة». ووسط الجدل التركي- الإيراني، واصلت القوات الحكومية السورية، بمساعدة «حزب الله» اللبناني، هجومها على وادي بردى الذي يوصف بأنه «خزان المياه» الذي ترتوي منه دمشق. وقال ناشطون إن المهاجمين حققوا تقدماً في المنطقة وسيطروا على مواقع فيها في إطار «سياسة الأرض المحروقة»، في إشارة إلى شدة القصف الجوي والمدفعي الذي تتعرض له المنطقة. وأعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إطلاق الجدل أمس في شأن نياته في شمال سورية، إذ قال إن القوات التركية والفصائل السورية المنضوية في إطار عملية «درع الفرات» باتت قريبة جداً من طرد تنظيم «داعش» من معقله في مدينة الباب، بريف حلب الشرقي، مضيفاً أنها ستتوجه بعد ذلك ل «تطهير» مدينة منبج القريبة والتي يسيطر عليها تحالف «سورية الديموقراطية» الكردي- العربي المدعوم من الأميركيين. وأبدت واشنطن أكثر من مرة انزعاجها من تهديدات أنقرة بالسيطرة على منبج، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى مواجهات بين طرفين يُفترض أنهما شريكان للأميركيين في الحرب ذاتها ضد «داعش». وقال مسؤول عسكري أميركي أمس، إن طائرات التحالف ستواصل تقديم دعم للقوات التركية في هجومها على الباب، في تغيير لافت في الموقف الأميركي الذي كان أعلن سابقاً أن هذا الهجوم قرار تركي داخلي. وليس واضحاً إذا كان هذا التغيير يرتبط بدخول روسيا على الخط وتنفيذ طائرات غارات ضد «داعش» دعماً للأتراك قرب الباب. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أمس، إن «مفاوضات آستانة قد تتعثر إذا لم نوقف الخروق المتزايدة» لوقف النار في سورية. وأضاف: «نرى خروقاً... وعناصر حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية وقوات النظام السوري هي من يقوم بها». ودعا إيران إلى «القيام بما يمليه عليها ضمانها لاتفاق وقف النار، وعليها إظهار ثقلها والضغط على الميليشيات الشيعية والنظام». وفي رد غير مباشر، قال مصدر مطلع ل «الحياة» في طهران، إن الجانب الإيراني، بما في ذلك من يُعرفون ب «المستشارين العسكريين» في سورية، «يعملون من أجل صمود وقف النار»، إلا أنه دافع عن هجوم الجيش النظامي على وادي بردى، قائلاً إن فيه «مسلحين محسوبين على جبهة النصرة وهم مستثنون من عملية وقف النار». وفي دمشق، نقلت وكالة «سانا» الحكومية عن الرئيس بشار الأسد قوله خلال استقباله أمس علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، إن «إيران وكل الدول التي تقف إلى جانب الشعب السوري هي شريكة في الإنجازات التي تتحقق ضد الإرهابيين». في نيويورك («الحياة»)، أكدت الأممالمتحدة أن المبعوث الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا لن يشارك في محادثات آستانة، وكذلك لن يشارك فيها ممثل عن مكتبه، لكن يرجَّح أن تكون الأممالمتحدة «ممثلة بموظف لم تحدد رتبته بعد». وقال نائب الناطق باسم الأمين العام فرحان حق، إن دي ميستورا لا يزال عازماً على عقد جولة المحادثات في جنيف في موعدها المقرر الشهر المقبل، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن «لائحة المدعوين لم تعلن بعد، وهو ما سنعلنه قبيل انطلاق جولة المحادثات». ميدانياً، نجحت القوات الحكومية السورية، بمساندة من «حزب الله»، في تحقيق تقدم في منطقة وادي بردى قرب دمشق، في مؤشر جديد إلى نيتها استكمال المعركة في هذه المنطقة الاستراتيجية التي تقول فصائل المعارضة إنها مشمولة بوقف النار الساري منذ ستة أيام، وهو أمر ينفيه النظام، بحجة أن هناك وجوداً ل «جبهة فتح الشام» («النصرة» سابقاً) التي تستثنيها الهدنة إلى جانب تنظيم «داعش».