هل جرب احدكم يوماً ان يترك هاتفه النقال في المنزل وان يقصر استخدام الكومبيوتر في مكتبه على العمل وحده من دون تصفح الانترنت، وان يبتعد ولو ليوم واحد عن وسائل التواصل الاجتماعي مثل "فايسبوك" و"تويتر" وسواهما؟ صارت ادوات الاتصال والاجتماع هذه جزءا من حياتنا وحياة من نرتبط بهم، وبتنا نعتمد عليها الى درجة التبعية ولا يمكننا الاستغناء عنها، لانها تسهل تسيير امورنا اليومية، وتساعد في ايجاد حلول سريعة لمشكلات عديدة. وعلى سبيل المثال، لم يأخذ الامر سوى اقل من ساعتين لتستعيد أم طفلها المفقود ذي السبع سنوات بعدما عثرت عليه القوى الأمنية في أحدى ضواحي بيروت. لكن ذلك لم يتم بالوسائل التقليدية التي تتبعها الشرطة في مثل هذه الحالات، إذ عممت هذه صورة الطفل ونبأ العثور عليه عبر موقع "تويتر"، لتتلقاه الام على هاتفها النقال، وتتوجه على الفور إلى المركز لاستعادة طفلها. حادثة أخرى لم يحتجّ حلها سوى لبضع دقائق، إذ عثرت إحدى الزميلات في "الحياة" وهي في طريقها إلى العمل على جوازيّ سفر لإمرأة وطفلتها، ولم تجد وسيلة أسهل من "غوغل" لتبحث عن اسم المرأة، فوجدت ان لها عنوانا على "فايسبوك" وعندما دخلت الى الموقع وجدت ان لديهما صديقة مشتركة، فاتصلت بها وطلبت رقم هاتف صاحبة الجواز، لتتصل بها وتسلمها جوازي السفر بعد اقل من ربع ساعة. واخبرتها المرأة انها تستعد للسفر بعد بضعة ايام. ماذا كان ليحصل لو ان هاتين الحادثتين وقعتا قبل عشر سنوات؟ هل كانت الام استعادت طفلها قبل بضعة ايام وربما اسابيع، وهل كانت صاحبة الجوازين استعادتهما قبل مضي فترة من الزمن؟ كانت الوسائل المتاحة آنذاك تتراوح بين البحث في سجلات المخافر والمستشفيات والاماكن العامة، وكل ما كان بوسع القوى الامنية أو الجهات الرسمية المعنية فعله هو تعميم صورة الطفل عبر وسائل اعلام تقليدية مثل الاذاعة او الصحف، أما جواز السفر الضائع فكان صاحبه يفضل استصدار غيره بدل تضييع الوقت في انتظار العثور عليه. لا شك في أن وسائل التواصل الإجتماعي تجاوزت دورها الاساسي في المحافظة على العلاقات الشخصية بين الاصدقاء والزملاء، ولم تعد موجّهة لفئة معينة من الناس، بل صارت للجميع من كل الاعمار والفئات، وباتت وسيلة اعلام رسمية ايضا تستخدمها الحكومات والاجهزة والمؤسسات الرسمية والخاصة، وتوفر الخدمات عبرها، مستفيدة أولاً من مجانيتها وثانيا من سرعتها وثالثا من قدرتها على الوصول إلى أكبر عدد من الناس.