ميز عام 2016 الذي للتو مضى، عدداً من الإصدارات المهمة، التي بقدر ما عمقت من تجارب كُتَّابها، فتحت هامش الكتابة على مواضيع جديدة تمس قضايا المجتمع وتحولاته، وتثير أسئلة الكتابة في تعالقها مع الواقع، كما تضيف للمشهد النقدي والشعري والقصصي، في تناول مميز بحساسيات مختلفة. إصدارات لعمرو العامري وأحمد الهلالي ويوسف العارف وسيف المرواني، وهؤلاء كتاب ينتمون إلى أجيال ومشارب متنوعة، لكن كلها تؤشر إلى حيوية في المشهد الأدبي. يرصد عمرو العامري في روايته «جنوبجدة.. شرق الموسّم»، الصادرة عن دار الساقي، زمن التحولات في القرى، ومن ثم الهجرة للمدن، وكذلك من خلال أبطالها حسين ومروعي وسلمى وغيرهم، الذين هاجروا من قراهم الجنوبية نحو جدة وعاشوا، فمنهم من نجح، ومنهم من اغترب وعاد من دون مكتسبات. ولم تهمل الرواية تحولات القرى التي انعكست على مهن الرعي والزراعة والبحث عن حياة أفضل، كما أنها تتعرض للنزاعات الحدودية التي كانت قبل خمسين عاماً والتي عادت للواجهة بالأماكن ذاتها، وأسماء الأمكنة وكأن الخمسين عاماً الماضية، عبر عنها العامري «لم يكن أكثر من مجرد هدنة متحاربين». ولا يغيب الحب عن الرواية، لاسيما وهو السبب الذي جعل بطل الرواية «حسين» يهجر القرية عناداً من أجل قضية قلبه، ليعود بعد كل العمر من دون مكتسبات سوى ليموت. يقول العامري: «الرواية تميل إلى الواقعية، والبطل فيها الإنسان الذي تهزمه المصائر». والرواية هي الثالثة بعد «ليس للأدميرال من يكاتبه» ورواية «تذاكر العودة». أما أحمد الهلالي فيأتي كتابه بعنوان «النور والظلام في الشعر السعودي»، وهو عبارة عن أطروحة جامعية نال عنها الهلالي درجة الدكتوراه في الأدب والبلاغة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وأشرف عليها الدكتور عبدالله إبراهيم الزهراني، وناقشها الدكتور ظافر الشهري، والدكتور ماهر الرحيلي. وهي تعد الأولى من نوعها في الساحة النقدية السعودية التي تتناول ثنائية النور والظلام في شقيها الموضوعي والفني بكيفية موسعة، وشملت الدراسة أكثر من مئة وخمسين ديواناً ومجموعة شعرية، وسارت في تقسيماتها على النحو الآتي. تركز التمهيد في مبحثين، تناول الأول ثنائية النور والظلام في اللغة والمعتقدات الإنسانية والفلسفة والفنون والعلوم، ثم جاء المبحث الثاني حول الرؤية الإسلامية للنور والظلام من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية، أما فصول الدراسة فكانت ستة، تناول الأول مصادر النور والظلام في المدونة الشعرية، ثم الفصل الثاني في سياقات النور والظلام الزمانية والمكانية واللونية، وفي الفصل الثالث اتجهت الدراسة إلى الثنائيات الضدية التي عبّر الشعراء عنها من خلال النور والظلام، كالهدى والضلال، والفرح والحزن وغيرها الكثير، وكان الفصل الرابع للصورة الفنية التي رسمها الشعراء بالنور والظلام، أما الفصل الخامس فكان عن الرمز الشعري بأنواعه المجرد والتاريخي والأسطوري، وجاء الفصل السادس أخيراً للوقوف على الظواهر الأسلوبية في سياق تعبيرات الشعراء بالنور والظلام، والوقوف - أيضاً - على عتبة عنونة الدواوين والقصائد التي لعبت ثنائية النور والظلام دوراً جلياً في رسمها، تبعته ملاحق الجداول للعناوين محل الدراسة، وقد تخفف الباحث في الكتاب المطبوع من الفهارس المختلفة في ختام الدراسة. ولاهتمام نادي جدة بطباعة الرسائل العلمية المتعلقة بالأدب السعودي، بادر الناقد حسين بافقيه إلى الاتصال بالباحث، فطلب الرسالة لطباعتها ضمن سلسلة النادي، وخرج الكتاب في صورته النهائية. ويأمل الباحث بأن يكون إثراء لمكتبة الأدب السعودي والعربي، ونافذة يطل منها الباحثون على أسرار هذه الثنائية. ويأتي إصدار الدكتور يوسف العارف في شكل ديوان شعري بعنوان «في آخر السطر وبعدها»، جاء في 150 صفحة ويحتوي على 30 نصاً، وهو صادر عن دار الرواد. العارف يقول عن ديوانه: «الديوان نص شعري عبر آفاق القصيدة العمودية الخليلية والنص التفعيلي والقصيدة المنثورة المتعالقة مع الهم التعليمي وفضاءات المجتمع التربوي، ويحتوي على القصائد الإخوانية والنصوص الوجدانية والذاتية والإنسانية. أما الإصدار الأخير فهو للقاص سيف المرواني، وهو عبارة عن مجموعة قصصية بعنوان «امتداد غيمة»، صدرت عن دار النابغة في 70 صفحة. ويأتي الإصدار، كما يقول المرواني، «بإطلالة جديدة لم يتعودها المطلعون على خط سيره الكتابي، الذي تراوح بين النص النثري الطويل والقصة القصيرة، فهو يفاجئ القارئ برسم لوحات نابضة ومعزوفات قصيرة وهمسات محلّقة يبحر بها بعيداً.