تطوي إسرائيل عام 2016 بجلبة كبيرة وغضب بعد القرار الذي تبناه مجلس الأمن ضد الاستيطان، وسط توقعات بأن يهيمن هذا الموضوع على سياساتها في العام المقبل. وكانت الدولة العبرية انشغلت في الأسابيع الأخيرة من العام في محاولة استقراء مواقف الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، متوقعة أن يكون انتخابه تعزيزاً لمواقف حكومتها اليمينية المتشددة. لكن ما لم تتوقعه، هو أن تفاجئها إدارة الرئيس باراك أوباما بصفعة بعد الامتناع عن استخدام «الفيتو» ضد قرار عن الاستيطان، فشنت الحكومة الإسرائيلية حرباً على الأممالمتحدة، وأخرى على الفلسطينيين، ولا تزال في حال ترقب وقلق من ضربة أميركية جديدة في شأن عملية السلام. وكانت الأشهر الثلاثة الأخيرة حفلت بمحطات مهمة في تاريخ علاقة إسرائيل بحليفتها الكبرى الولاياتالمتحدة، أولاها إبرام أكبر صفقة دعم مالي – عسكري، إذ رفعت إدارة الرئيس باراك أوباما حجم المعونات التي تقدمها سنوياً للدولة العبرية من 2.3 بليون دولار إلى 3.8 بليون دولار، مسجلة بذلك أعلى رقم وأكبر دعم تقدمه الولاياتالمتحدة لدولة حليفة، على رغم العلاقات الشخصية المشحونة بين الرئيس أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو. ثم جاء تسلم إسرائيل، قبل أيام، مقاتلتيْن من طراز «أف 35» (الشبح) من مجموع 50 اشترتها بمبلغ مالي كبير (لكن من أموال الدعم الأميركي)، وستتسلمها تدريجاً خلال السنوات السبع المقبلة، وهي صفقة اعتبرها سدنة المؤسسة العسكرية «قفزة نوعية في قدرات طيرانها الحربي». وبين هاتيْن الصفقتين، انتخب الأميركيون ترامب رئيساً، فكان بمثابة هدية آخر السنة لإسرائيل. وكان أركان حكومتها التزموا تعليمات صارمة من نتانياهو بعدم إعلان تفضيلها أياً من المرشحين بعد الخطأ الذي ارتكبه في انتخابات عام 2012 عندما وقف مع ميت رومني ضد أوباما. لكن إسرائيل لم تخف فرحتها بانتخاب ترامب، على رغم تحفظها في البداية لكونه «شخصاً غير متوقع»، لكن تواتر التصريحات عن نية الرئيس الجديد نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدسالمحتلة ثم تعيين ديفيد فريدمان، الذي وصفه أحد المعلقين بأنه «متطرف أكثر من نتانياهو» لمنصب السفير الجديد، بعث على اطمئنان المستوى السياسي إلى أقصى درجة، ما استدعى نتانياهو إلى القول في أحاديث مغلقة إن هذا الانتخاب يتيح للأخير وله إحداث «تغييرات تاريخية»، وأنه يشكل «نقطة تحوّل ذات مغزى كبير في سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية عموماً، وتجاهنا وتجاه الشرق الأوسط خصوصاً»، مؤكداً أن أهم الرسائل التي بلغته من أقرب القريبين من الرئيس أن الأخير جاد في نيته نقل السفارة إلى تل أبيب. إقليمياً، طوى العام المنتهي صفحة العلاقات المتردية بين إسرائيل وتركيا مع التوصل إلى اتفاق مصالحة بينهما وضع حداً لخلاف عمره ست سنوات وصلت خلالها العلاقات الديبلوماسية إلى حضيض غير مسبوق. وبرر الطرفان المصالحة التي توجت أخيراً بإعادة السفيرين، بمصالح مشتركة تربطهما، خصوصاً حيال التطورات في سورية. وفي هذا الشأن أيضاً، تعوّل إسرائيل على الولاياتالمتحدة وروسيا بأن لا يمس أي اتفاق في سورية بمصالحها، وتقول إنها لن تسمح باتفاق يمنح إيران و»حزب الله» نفوذاً في سورية. وعلى صعيد العلاقات مع الفلسطينيين، لم يطرأ أي جديد على الجمود السياسي، فالبناء في المستوطنات يتواصل، وقضية إخلاء البؤرة الاستيطانية «عمونا» لا توحي بتغيير في سياسة الحكومة الأكثر يمينية في إسرائيل إنما جاء لتنفيذ أمر المحكمة العليا، وأساساً من أجل ضمان عدم إخلاء نحو 5 آلاف مستوطن يقيمون على أراضٍ فلسطينية خاصة، من خلال تشريع «قانون التسوية»، أي شرعنة البؤر الاستيطانية جميعها المقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة. على الصعيد الداخلي، ما زال نتانياهو في محور اهتمامات الإسرائيليين، إيجاباً وسلباً، إذ نشرت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي نتائج بحث أجراه معهد مختص في متابعة شبكات التواصل الاجتماعي أوضحت أن نتانياهو هو أكثر شخصية إسرائيلية يتداولها المتصفحون والمدوّنون. وما زال مبكراً توقع انعكاسات تصويت مجلس الأمن ضد الاستيطان، على شعبية نتانياهو، خصوصاً بعدما حمّله كثيرون مسؤولية صدور مثل هذا القرار بسبب عدائه لأوباما وإجراءاته الاستيطانية الاستفزازية. مع ذلك، تتفق غالبية الإسرائيليين أن نتانياهو سيبقى على كرسيه طالما رغب بذلك، فأنصار اليمين يرون فيه زعيم «المعسكر القومي»، خصوصاً أن في حكومته أكثر حزبين تطرفاً، «البيت اليهودي» بزعامة نفتالي بينيت و «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان الذي تمّت ترقيته قبل نصف عام لمنصب وزير الدفاع ليحل محل موشيه يعالون الذي كان آخر ضحايا نتانياهو داخل حزبه «ليكود»، ليخلو الميدان له (لنتانياهو) وحده، فيما الوسط ويساره غير قادرين على الاتفاق على مرشح كفؤ قادر على أن يشكّل منافساً قوياً لنتانياهو. أما العناوين السلبية، فتأتي على خلفية تورطه وزوجته ساره في شبهات فساد مالي، لكن لا يبدو في الراهن أنها، على رغم كثرتها، تهدد عرشه في السنوات المنظورة.