ترجمة: سهام العريشي * كان صباحاً هادئاً جداً في الثالث من كانون الثاني (يناير) حين استيقظت في الساعة الثامنة صباحاً بعد أن أخذت قسطاً جيداً من النوم. هادئاً جداً. تحممت، ارتديت ملابسي، ونزلت إلى الدور الأول في المنزل لأغلي القليل من الماء لإعداد شربة شوفان على عجل. من عادة بيتر أن يستيقظ باكراً، ويجب أن يكون الآن في مكتبه للقراءة لكن لا أثر يشي بأنه قد تناول إفطاره. فتحت النافذة ونظرت إلى الخارج. كانت صحيفة ال«نيو يورك تايمز» لا تزال في مكانها بغلافها البلاستيكي الأزرق اللامع. هل ذهب إلى الممشى؟ ذهبت لأتفحص إن كان شبشبه لا يزال على الأرض أمام الكرسي الموجود بجانب النافذة حيث اعتاد أن يتركه هناك حين يفكر في الخروج. لم يكن الحذاء هناك. لماذا؟ كان الماء يغلي. صببتهُ على حبوب الشوفان. حركته ثم توقفت. كان المنزل هادئاً جداً. ناديت اسمه. لكن أحداً لم يجب. هل هو مريض أم تأخر في نومه؟ أتذكر لحظتها أنني يجب ألا أتناول شيئاً حتى أتأكد من أنه بخير. كنا قد اعتدنا تبادل النكتة التي تقول بأن أي شيء يمكن أن يحدث للمرء في السبعين. لذلك فإن حدث ولم يستيقظ أحدنا في الثامنة صباحاً فعلى الطرف الآخر أن يتفقد الأمر. ناديته للمرة الثانية. مرة أخرى لم يجب النداء أحد. لعله لم يسمعني لأنه يأخذ حمامه الصباحي. ذهبت إلى غرفته، كان ممدداً على السرير وعيناه مغلقتان. حين رأيت قناع التنفس على أنفه وفمه وسمعت أزيز الهواء وهو يعبر الأنبوب التنفسي عرفت أنه لم يكن نائماً. كلا. من لا شيء بلا شيء أبدأ حين كل الكلام الذي قيل قد قيل. * يومٌ باردٌ وخالٍ من الغيوم وأنا جالسة في مكتبه أحذف رسائل البريد المزعجة. أحفظ ملفاته المهمة ورسائل بريده التي سيرسلها إلى صحيفة الفلسفة الأميركية التي ظل يعمل محرراً مساعداً بها طوال أعوام مضت. أمرر السهم وأسحب قائمة البريد إلى الأسفل حتى أصل إلى رسالة بريدية بتاريخ 1-2-2008. الرسالة عبارة عن تنويه أرسله إليه زميله في العمل عن الملتقى السنوي لاتحاد الفلاسفة الأميركيين في القطاع الشرقي في مدينة بالتيمور، حيث سافر قبل أسبوع. كتب في رده إلى زميله: «بعد فصل الخريف المكتظ نحتاج إلى وقت طويل للهدوء». في تلك الليلة أو في ذلك الصباح ذهب بيتر. ذهب إلى صمتٍ أبدي طويل داخل نفسه. * صباح اليوم اكتشفت أنني نسيت أن أدفع ضرائب الأرض التي كان من المفترض أن أدفعها قبل الأول من يناير. هذا يعني أنه عليّ أن أدفع رسوماً إضافية عقوبة لتأخري بمبلغ يساوي مئة وستين دولاراً. لو كنا نستطيع العودة إلى ديسمبر فقط لأخبرك كم أحتاج إليك لأنني أعرف أنك تحتاج إلى شعور الآخرين بالاحتياج إليك احتياجاً كبيراً كاحتياجي إليك هذه اللحظة. * لعل هناك عودة ما، وإن كنا لم نفهمها بعد، للناس الذين أحببناهم وفقدناهم. أحتاج إلى أن أتخيل إمكان هذا حتى لو لم أكن أصدق ذلك. * هو أشبه بحلم نصف النوم ونصف اليقظة حين رأيتكَ هذا الصباح ممدداً بجانبي على السرير بسترتك السوداء. أخيراً ذهبت إلى خزانة الملابس ولمستُ معطفك الأسود، المعطف الذي كنت تحبه جداً، المعطف الذي اشتريناه معاً بسعر مخفض قبل عامين في محل بارنيس. كنا نخطط لشراء معطف آخر لأنك لبست الأول حتى استحال رثاً. إنه في الخزانة الآن، شيء قابل للتخزين كرمادك. لعل المعطف كان موجوداً في عقلي كحلم بعيد بأنني أعرف الطريقة التي يمكن بها لصورة أن تحل محل أخرى بعلاقة وثيقة يحدث فيها أن تعطي الصورة الخطأ حياة للصورة الصحيحة. ظننتُ حقاً أنك كنت أنت حتى استيقظت وعدتُ إلى نفسي من جديد. * إنها تثلج بغزارة في الخارج وسيمر وقت طويلٌ على ما يبدو قبل أن يتوقف الثلج. محاصرة لوحدي في المنزل ولذلك ذهبتُ لتصفح صوره الفوتوغرافية. باستثناء زملائه في بافلو، لم يكن أحدنا راضٍ عن هذه الهواية، ليس في عائلة الفنانين هذه. كان قد سافر إلى رومانيا في أكتوبر الماضي لتقديم ورقة عمل في مؤتمر دولي عن النفعية والمجتمع والسياسة في جامعة كونستانتين. حين كان هناك، كان يستغل كل دقيقة فراغ من ورشة عمل أو اجتماع ليلتقط صوراً فوتوغرافية للمنازل والحدائق والتماثيل والكنائس حتى تهشمت كاميرا الهاسلبلاد التي يمتلكها بعد أن مرت فوقها سيارة في مواقف السيارات. من الممكن أن يكون هذا فألاً. فجلطة الدم، التي أدت لاحقاً إلى وفاته، كانت قد تشكلت بسبب الرحلات الطويلة ذهاباً وإياباً. ماذا لو كنا قادرين على رؤية السعادة الباطنية الموغلة في داخلنا من دون أن نملك القدرة على إظهارها؟ أتساءل الآن ما الذي يمكن فعله بكل هذه الصور التي تركها فيلسوف محترفٌ ميت. مقتطفات من ديوان الشاعرة الأميركية سوزان هاو. * مترجمة سعودية.