علم الفقه هو خلاصة علم الكتاب والسنة، والكتب المؤلفة فيه كثيرة شهيرة، وبين أحسن ما أُلِّف في هذا العلم، ومن أوسعها، وأشملها في مذهب الحنابلة كتاب «كشاف القناع عن الإقناع» للعلامة الشيخ منصور بن يونس البهوتي فقيه الحنابلة في زمانه، صح عن رسول الله أنه قال: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين».ولِما لهذا الكتاب من مكانة عالية بين مؤلفات فقهاء الحنابلة وكونه أشملها في المسائل والفروع حيث عُدّ بحق الجامع لفقه المذهب، ومن ثم كان أحد المراجع الرئيسية لقضاة هذه البلاد في أحكامهم، وأقضيتهم بحسب ما تضمنه قرار الهيئة القضائية الصادر في السابع من محرم 1347ه. وحظي كتاب الإقناع بأهمية بالغة عند العلماء منذ أن كتبه مؤلفه وإلى اليوم. وكان في وقت من الأوقات هو عمدة الحنابلة بدمشق، كما ذكر ذلك نجم الدين الغزي، وكان السفاريني يوصي تلاميذه بالإقناع والمنتهى. وقال ابن بدران فيه: «مجلد ضخم، كثير الفوائد، جمّ المنافع». ولأجل أهمية هذا الكتاب في الفقه الحنبلي فإن فقهاء الحنابلة عنوا به عناية فائقة فشرحه بعضهم، وعَلّق بعضهم عليه بعض الحواشي من مكثر ومقلل، ومن أنفس شروحه شرح العلامة منصور بن يونس البهوتي المسمى «كشاف القناع»، وكان بحق كشفاً له إذ أوضح مسائله، وبيّن غوامضه، وكشف أسراره، واستخرج مكنوناته. وفي الآونة الأخيرة أنهت وزارة العدل إخراج الكتاب محققاً كاملاً للقضاة وطلبة العلم، في صورة مُحققة للأهداف، مراعية فيها تخريج الأحاديث وتوثيق النقول. وتم هذا العمل من جانب وزارة العدل من خلال لجان علمية متخصصة وكل إليها مقابلة الكتاب بالنسخ الأصلية، وتخريج أحاديثه، وتوثيق قوله، وتصحيح الأخطاء الموجودة فيه، وإعادة الكلمات الساقطة منه إلى مواضعها، وحذف الكلمات والعبارات المكررة في المطبوعة، وهي مكونة من أصحاب الفضيلة: الشيخ الدكتور بكر بن عبدالله أبو زيد (رحمه الله)، والشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ الذي اعتذر لظروفه الخاصة، فتم قيام وزير العدل سابقاً، الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ بالعمل المكلف به، والشيخ الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عبدالمنعم، والشيخ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد، والشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم بن قاسم. وتم تكليف لجنة لتخريج أحاديث الكتاب مكونة من: الشيخ عبدالقدوس بن محمد نذير، والشيخ سليمان بن مسلم الحرش، مستعينة بباحثين مختصين. ولأهمية تخريج أحاديث وآثار هذا الكتاب وتوثيق نقوله وإعطاء هذا الجانب ما يستحقه من الأهمية، فقد تم تكليف الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم بن قاسم – القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض سابقاً – بالإشراف على ذلك. وجاءت خطة التحقيق على نحو، تمت فيه «العناية بفرز متن الإقناع عن الكشاف، وجعله بين قوسين وبحرف أكبر، والتعليق على المسائل العقدية التي تخالف اعتقاد السلف بعبارة موجزة، وإثبات علامات الترقيم المهمة، وترتيب بداية الكلام، وجعل بداية كل كتاب أو باب أو فصل في صفحة جديدة. كذلك تخريج الأحاديث والآثار التي ذكرها المؤلف بحسب الإمكان» إلى غير ذلك. وأخرجت وزارة العدل الكتاب، أخيراً في ثوب جديد، ووزعته على القضاة.