984 ألف برميل تقليص السعودية إنتاجها النفطي يومياً    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    «مهاجمون حُراس»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    قبل مواجهتي أستراليا وإندونيسيا "رينارد" يستبعد "العمري" من قائمة الأخضر    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    حديقة ثلجية    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    جودة خدمات ورفاهية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    ترسيخ حضور شغف «الترفيه» عبر الابتكار والتجديد    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الغرب والقرن الأفريقي    نعم السعودية لا تكون معكم.. ولا وإياكم !    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    الاتحاد يتغلب على العروبة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ضبط شخصين في جدة لترويجهما (2) كيلوجرام من مادة الحشيش المخدر    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    الدولار يقفز.. والذهب يتراجع إلى 2,683 دولاراً    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ليل عروس الشمال    التعاطي مع الواقع    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مي خليفة: الثقافة مادة للاستثمار وبعض المثقفين المعترضين يحلمون بالسلطة
نشر في الحياة يوم 14 - 10 - 2010

لا تؤثر الشيخة مي آل خليفة وزيرة الثقافة في البحرين مبدأ «التنظير» والإغراق في الكلام النظري، فهي شخصية عملية أو «براغماتية»، تخطط ثم تنفذ ثم تتكلم. ولعلها لا تتحدّث عن المشاريع الثقافية التي تحلم وتسعى الى تحقيقها إلا بعد أن تترسّخ هذه المشاريع فلا تبقى حبراً على ورق، أو راقدة في الأدراج. هذه الوزيرة الآتية من الاختصاص الأكاديمي في علم التاريخ ومن العمل الثقافي الأهلي من خلال تأسيسها «القرية» الثقافية في منطقة المحرّق (ضواحي المنامة) تبدو أشبه ب «المناضلة» التي لا تهدأ ولا تستسلم من أجل بلورة المفهوم الثقافي، سياسياً واقتصادياً وشعبياً، ومن أجل ترسيخ الثقافة كأداة للمواجهة ووسيلة لتحقيق الذات والتحرّر. وقد نجحت في الجمع بين الثقافة والانفتاح أو الحوار، جاذبة بعض الجهات الاقتصادية للمساهمة في الحقل الثقافي، في مشاريع مشتركة تؤتي ثماراً على المستويين الثقافي والاقتصادي.
وبعد أن حصدت وزارة الثقافة البحرينية أخيراً جائزة الأسد الذهبي في بينالي البندقية للعمارة عن جناحها في المعرض العالمي وكانت الدولة العربية الأولى التي تفوز بهذه الجائزة، ها هي الوزارة تستعد لاستضافة الاجتماع العام للجنة التراث العالمي التابع لمنظمة ال «يونيسكو» في صيف 2011 وترأس اللجنة في هذه الدورة الوزيرة مي آل خليفة.
التقيت الشيخة في مركز الشيخ ابراهيم وسط «القرية» الثقافية في المحرّق وكان هذا الحوار:
انتقلتِ من العمل الثقافي الأهلي والمدني الى العمل الثقافي الرسمي بعد تسلمك حقيبة وزارة الثقافة في البحرين، مع العلم انك كنت أصلاً وكيلة الثقافة والإعلام. كيف تنظرين الى حركة الانتقال هذه، خصوصاً أنك من الضالعين في الثقافة المدنية والأهلية؟
- لا يوجد فارق لديّ على المستوى الشخصي بين العمل في المؤسسة الأهلية والمؤسسة الرسمية. فالأهداف نفسها والأدوات كذلك، ولم يتغير عليَّ شيء، إلا أن المسؤولية أصبحت أكبر، وبالطبع الدائرة المحيطة بك لا يحمل أشخاصها الحلم نفسه، أما المجموعة الصغيرة التي تعمل في المركز الأهلي فكل عناصرها مسكونون بالهاجس نفسه. أما إذا كان الشخص ضالعاً في النشاط الأهلي أو كان في مركز أهلي فقدرته على أن يبلور أحلامه أو أن يجسدها أكبر، وكذلك الانتقال من خانة الأحلام الى خانة الواقع وبإيقاع سريع، وأدوات بسيطة. حين انطلق المركز في 2002 كان مركزاً صغيراً وكناية عن أرض صغيرة اشتريناها ثم سرعان ما كبر وأصبح خلال ثماني سنوات يضم عشرة بيوت، وكل بيت ذو اهتمام ثقافي معين. أسَّس المركز حركة مختلفة قليلاً، لأن هناك طابعاً فريداً عند بعض المثقفين دائماً، هناك نظرة تشاؤمية وشكوى وغالباً ما يوجد ملل أو احتجاج من دون تقديم أي شيء يذكر. ومعروف أن النجاح لا يأتي من دون تضحية بل من دون تضحيات كبيرة. أنا لست أقول إن المشروع أتى على طبق من ذهب، انني بنيته خطوة خطوة مادياً ومعنوياً وبكل الوسائل. وعندما تكون مسكوناً بهاجس ويكون لديك حلم فتخيل كيف سيتجسد هذا المركز، والكل يذكر أنه في حي قديم... وحتى الآن زارت المركز بعد أسبوع من افتتاحه أسماء كبيرة من العالم العربي وهي لا تلبي عادة أي دعوة.
الآن هل يبدو العمل في الوزارة مختلفاً عمّا هو في المركز؟
- العمل في الوزارة يختلف لأنّ هناك آلية مختلفة للعمل، هناك قواعد ولوائح يجب اتباعها، وهذه تحد من الانطلاقة السريعة التي شهدها المركز. في المؤسسة الرسمية أنت مجبر على أن تراعي البيروقراطية، وكذلك أنت مرتبط بمؤسسات أخرى. وإيقاع الرسالة ووصولها يختلفان. إنني أتحرك دوماً من مسؤول الى آخر ولا أكتفي بالموقع الوزاري. وقد كانت أدواتي الكبرى هي القطاع الخاص. وما زلت أعمل على إقناع المؤسسات الأهلية بدعم المشاريع الثقافية الوطنية، وثمرة هذا التحرك ستكون متحفاً من أروع متاحف البحرين، وهو متحف قلعة البحرين الذي سيتم إنشاؤه بدعم من القطاع الخاص.
تصرين على الفصل بين المركز الذي أصبح مؤسسة ثقافية قائمة بذاتها، وبين عملك في الوزارة. لماذا هذا الإصرار على الفصل؟ ألا يستطيع الواحد ان يكمل الآخر؟
- كلا، خصوصية المركز تختلف عن الوزارة. في المفهوم المحلي لا توجد مؤسسة أهلية تقوم بدعم ذاتي أو بدعم القطاع الخاص، حتى المؤسسات الثقافية تعتمد على الحكومة. وأنا أعتقد أن دول العالم كلها تعتمد مبدأ التكامل. ولو ذهبت الى فرنسا أو السويد فسترى أن المؤسسات الأهلية هي التي تقدم خدمات للحكومة. والحكومة تقدم خدمات كثيرة الى المواطن. نحن شعوب مرفهة، وبعض الناس يعتقد أن من واجب الحكومة إنشاء مراكز ثقافية... كنت أشعر أحياناً أنني أحفر في الصخر. وهذا المشروع الأهلي لو كانت الأمور ميسرة لي لما وجدت هذا الجمال في التحدي. فكل الأمور مرتبطة بالإصرار ثم بتجاوب الآخرين. وعندما تكون متحمساً تجد أن الآخر يتلقى. كانوا يقولون لي كيف استطعت إقناع القطاع الخاص بأهمية المشاريع الأهلية أو الثقافية؟ عندما تكون هناك صورة متبلورة وواضحة للمشاريع فهم يقبلون. وإذا شئت أن تقدم نفسك للآخر، فليس بالكلام. لو لم أذهب اليهم برسوم وخرائط كاملة وجاهزة ولو لم تكن الخطة واضحة فما كانوا ليستجيبوا. لا أحد يدعم مشاريع خيالية، إنه يريد أن يشاهد النموذج. أما في المؤسسة الرسمية فأدواتي لا تختلف، لكنها طبعاً تصطدم بعقبات، فنحن نعمل جماعياً أو مع مجموعة لم نخترها. أي انك توجد في ظروف لم تخترها. ونحن لو كنا متكاملين كمنظومة لتحقق الكثير، لكن هناك الأمور الشخصية التي تعوِّق هذا التكامل.
أنجزت خلال الفترة القصيرة التي توليتِ فيها وزارة الثقافة خطوات مهمة سواء للبحرين أم للثقافة العربية خصوصاً، قصة قضية البينالي. فهل من الممكن أن تحدثينا قليلاً عن الخطة التي وضعتها كمشروع عمل؟
- كان حصول البحرين على جائزة «الأسد الذهبي» في بينالي البندقية العريق حدثاً كبيراً. فهذه الجائزة لم تحصل عليها أي دولة عربية سابقاً، والمشاركة البحرينية كانت الأولى. حصلنا على الجائزة لأننا قدمنا البحرين عبر معالجة لقضية أساسية. فنحن في جزيرة وهناك توسع عمراني مقابل دك مواقع من البحر. والتوسع في المساحة الجغرافية ضرورة اقتصادية وإسكانية، ولكن في المقابل هنا ضرر - على سبيل المثل - لا سيما على المواقع القديمة التي اختفت وخصوصاً مواقع الصيادين. حين أعددنا هذا المشروع كتبنا بموضوعية، لذلك كان تعليق رئيس البلاد ان المعالجة فيها فكر وليس فيها صرف أموال. هذا كان الأساس. قدمنا عشش الصيادين مع مقابلات ومع آرائهم ومع الخطة الشاملة للحكومة. كان همنا كيف نحفظ الواجهات البحرية. وكان هناك النقد، وكانت هناك الخطة المستقبلية والموضوعية في الطرح. وفي النهاية عندما تقدم نفسك للعالم انطلاقاً من محليتك تصبح عالمياً.
لقد حصلتم على امتياز استضافة لجنة التراث العالمية في عام 2011. كيف حصلتم على هذا الامتياز؟
- حصلنا على هذا الامتياز لأننا كنا أعضاء في اللجنة، وقدمنا برنامجاً متكاملاً لإنشاء مركز اقليمي للتراث يخدم الدول العربية ككل ويكون مقره البحرين. نحن نتكلم عن 22 دولة عربية يكون مقر التدريب والعلاقة بمنظمة «يونيسكو» من خلال البحرين. هذا شيء مهم واستثنائي. كان هذا ضمن الخطة التي قدمناها. والنجاح لا يكون إلا بعد سنوات من التعب.
صناعة الثقافة
ماذا عن الخطة الثقافية التي تعتمدينها كوزيرة للثقافة؟
- لدينا الكثير من المشاريع الهادفة الى تعزيز موقع البحرين عبر الثقافة وتشجيع السياحة الثقافية. أعتقد أن الجميع لم يدرك حتى الآن أهمية توظيف الثقافة في الدخل القومي. وما كان يصرف على الثقافة طوال أعوام كان «فتافيت» لا يحسب له حساب. والموازنة المرصودة للثقافة كانت صغيرة ولا تفي بالطموحات. لكنني رسخت مشروع الاستثمار في الثقافة من خلال القطاع الخاص. ولكن إذا كان التوجه هو صناعة الثقافة وتوظيف المواقع التراثية أو الثقافية أو السياحة الثقافية التي تستقطب الزوار، إلا انني أنظر الى تكامل مع الدول الخليجية المحيطة بنا، مثل دبي على سبيل المثل، التي تشهد نهضة عمرانية. اننا نستطيع أن نتكامل مع دول، ولا يكون هناك تنافس بل تكامل. التكامل هو الذي سيحقق النقلة التي نتكلم عنها وسيحقق النجاح المطلوب في الترويج لسياحة ثقافية.
على مستوى النشر وعلى مستوى الفن التشكيلي والمسرح، ماذا تفكرين بهذه الميادين؟
- أخيراً بدأ مسرح البحرين الوطني في العمل، كان هذا حلماً منذ التحقت بوزارة الإعلام وكنت مسؤولة عن قطاع الثقافة. قدمت حينذاك مشروع المسرح وكان أحد أسباب تركي العمل هو متحف القلعة. والآن وبدعم من الملك تم وضع حجر الأساس وسينتهي العمل في هذا المسرح الوطني عام 2012 حين تكون البحرين عاصمة للثقافة العربية. هناك ثلاث سنوات مهمة على مستوى وزارة الثقافة كما على المستوى الشخصي. ان حضور لجنة التراث العالمي سيسلط الضوء على البحرين على مدى عشرة أيام، وسيحضر ممثلون من دول العالم كافة. هناك 1500 مشارك، ثمَّ هناك أيضاً تسمية المنامة عاصمة للثقافة العربية 2012 ونتمنى أن يدشن المسرح في الافتتاح، وستكون المنامة أيضاً عاصمة السياحة في 2013. ان تتكلم عن مشاريع ثقافية تستقطب سياحة ثقافية، هذا هو الحلم الكبير الذي سيأتي بمردود وسيصل الى الآخرين.
ماذا عن مستوى النشر أو الكتاب، هل لديك خطة لدعم الكتاب وحركة النشر والمؤلفين؟
- أول خطوة كانت لدعم الكتاب تجسدت في تسلم المعرض الدولي للكتاب وإحداث نقلة نوعية في إعداده وتنظيمه واستضافة عدد من الأسماء المهمة وإقامة نشاط مرافق لأيامه. كانت معارض الكتاب في السابق شبه مغلقة وكانت تطغى عليها الكتب الدينية. المعرض أصبح الآن مؤسسة خاصة والوزارة تتكفل به. في العادة كان الدّعم يأتي من الوزارة وتتسلّمه مؤسسة خاصة. ولكن معنا أصبح المعرض مختلفاً، يحل عليه ضيوف شرف ويرافقه نشاط ثقافي وأدبي وفني شامل. وهذا التوجه أعتقد أنه سيعزز من مقام البحرين في مجال الثقافة. حتى المبادرات الصغيرة أحييناها، وأنا شخصياً أحب أن أبدأ بالمشاريع الصغيرة التي تروح تكبر. وهناك مشروع «تاء الشباب» ويضم مجموعة صغيرة من الشباب التف بعضهم حول بعض ليقدموا مبادرات مهمة منها «كلنا نقرأ».
الوزارة هي التي تدعم مجموعة «تاء الشباب» و «كلنا نقرأ»؟
- نحن ندعم «تاء الشباب» و «كلنا نقرأ» وهذا مشروع الناقد الراحل محمد البنكي الذي قدم لي أجمل مجموعة من المتطوعين الشباب. وهؤلاء فرضوا حضورهم كمبدعين وناشطين شباب. أعترف بأنني أؤثر الابتعاد عن الروح الوظيفية والبيروقراطية في الوزارة. أبحث دوماً عن عناصر لديها حضور وقدرة وخيال وإبداع. والآن أبحث عن مقر لمجموعة «تاء الشباب» يكون متنفساً لهم. فهم على مدى سنتين أثبتوا أنهم من أروع ما يمكن أن يوجد من مجموعات ثقافية، وانتقلوا الى كل مكان، الى المجمعات التجارية والمدارس واستقطبوا جمهوراً لم يكن ليستطيع أن يصل الى مركز ثقافي ليستمع الى محاضرة ويناقش كتاباً. الآن هم موجودون في مواقع كثيرة ويحملون رسالة مختلفة، العدد كان 150 فصار 400. انه تجمع طبيعي يجمع كل الفئات والأطياف. ولقد أشعرني للمرة الأولى بأن البحرين رجعت المركز والعنوان.
الآن أنت أول وزيرة ثقافة امرأة في الخليج العربي وقد التحقتِ بموجة من الوزيرات العربيات منهنّ نجاح العطار في سورية أو ثريا جبران في المغرب أو خالدة التومي في الجزائر. ماذا يعني لك هذا الأمر؟ هل فكرت يوماً أنك امرأة وزيرة؟
- إحساسي بكوني امرأة وباختلافي عن الرجل غير موجود عندي، ربما لخلفيات ثقافية ليس من الجائز نشرها. فأنا أتصرف انطلاقاً من حق الإنسان كمواطن في المجتمع. وعشت فترة من مراهقتي وأنا أواجه الصعوبات وأسعى الى تحقيق ما يخدم الحيّ الذي أقطنه. وقد أتيت الى الوزارة لأعمل وأحقق رسالة. وإذا وجدت أن الجو لا يؤاتيني فأنا لا أتردد في الانسحاب. لا يهمني أن أعمل فحسب بل أن أسعى الى إنجاز المشاريع التي تخدم الثقافة.
الثروة الوحيدة
هل كنت على اتصال بنجاح العطار أو هؤلاء الوزيرات؟
- لا أبداً، أنا مشغولة ومأخوذة بعدد كبير من المشاريع، أنام وأصحو على أفكار العمل. الجانب الشخصي من حياتي تراجع، حتى العلاقات الاجتماعية تراجعت. وربما هذا تقصير منّي، لكن لدي مشاريعي الخاصة، وأعتقد ان كل بلد له خصوصيات. وما دمت تتحدث عن وزيرات للثقافة أعتقد أن أكثر اسم رسخ في ذهني هو اسم وزيرة الثقافة اليونانية ميلينا ميركوري، وقد تابعت بعض خطهها التي نهضت بالثقافة اليونانية، وكما تعلم أنا أكتب الأبحاث في التاريخ وأقرأ كثيراً، وأعمل الآن على احياء تراثنا الأثري وتفنيده. وهذا هاجس، لأن تراث البحرين بالتحديد هو ثروتنا الوحيدة، فنحن نختلف عن الدول الخليجية الأخرى. نحن ليس لدينا نفط ولكن لدينا ثروة بشرية ومواقع أثرية لم يتم للأسف توظيفها كما يجب. وأعترف بأن الإعلام مقصر مقصر مقصر... لأنه منكفئ على ذاته ويبحث عن مشاكل صغيرة ومحدودة. فلو فتح الإعلام الأبواب أمام الرأي العام العالمي لكانت لأعمالنا ردود أكبر. فأنا أخجل حينما أذهب الى فرنسا وسواها، وأرى كيف يهتمون بتراثهم الثقافي الفني وكيف يكون الإعلام في خدمة هذا التراث الثقافي. وأعتقد أن إعلامنا العربي مقصر كثيراً في هذه الناحية.
عادة ما يدور الكلام في العالم العربي عن صراع بين المثقف والسلطة، وهذا معروف في مصر ولبنان وسائر الدول العربية، وقد تجلى هذا السجال بين المثقفين الذين يرفضون الانضمام الى خانة السلطة وبين مثقفي السلطة أو رموزها. كيف تنظرين الى هذه العلاقة الملتبسة بين الثقافة والسلطة؟
- هذا سؤال مهم. فأنت عندما تتحدث عن هذا الصراع، هناك خلفيات عند الأشخاص أحياناً تمثل حافزاً لموقفهم الرافض السلطة. وهناك أمور شخصية أيضاً تحكم هذه العلاقات. إذا كان المثقف المعترض سواء كان اسماً كبيراً أو شخصاً عادياً فإذا حصل على أداة، من خلال سلطة رسمية ما قادرة على أن توصل رسالته الى الآخرين، فلا بأس بالتعاون، شرط أن يكون الهدف واضحاً. مثلاً أنا كشخص لدي مراكز ثقافية أستطيع أن أكتفي بها وأقول انها حققت لي اسماً وحضوراً. لدي بيت للشعر وآخر للموسيقى وعملنا على إحياء المواقع الأثرية، ولو لم يكن لدي الدعم الرسمي لما استطعت أن أطور المواقع الأثرية وأبني المتحف، لأنني كنت مسؤولة عن قطاع الثقافة. والآن هناك مشروع كبير افتتح في شباط (فبراير) في قلعة أخرى، وهو يجسد التاريخ في شكل رائع. لو لم تكن لديّ هذه الأداة التي هي السلطة أو الموقع الرسمي إضافة الى التواصل مع السفارات ومع المراكز الثقافية لما تمكنت من إنجاز ما أنجزت. وقد وظفت كل ذرة خير من أجل العمل الثقافي. ولكن ليس هناك التباس بين مواقفي أنا كشخص أو انسان وبين السلطة نفسها. لمَّا عهدت اليّ حقيبتي الوزارية لم يطلب مني أن أتخلى عن جلدي. وفي أول لقاء مع رئيس الوزراء قال لي: لا تتغيري وكوني كما أنت. وشعرت بأنها رسالة رائعة. فلا أحد طلب مني أن أتغير، ولا أنا تغيرت، لا في السلوك ولا في المعاملة، ولا في أيّ أمر آخر، فالسلطة شأن آني يأتي ويذهب، بينما الثقافة هي الراسخة. إنني أحس بأن بعض الذين يهاجمون السلطة هم أكثر من يتشبثون بالمواقع والمراكز أو يطمحون الى أهداف مادية. السلطة أصلاً لا تطلب منك أن تجاملها. وأنا لم يُطلب مني أن أتغير أو أغير سلوكي. عندي مركز وحضور وأذهب وآتي ولم يتغير شيء. يمكنك ان تخلق أطراً وتضع نفسك فيها وتتخيل أنك وزير مهم، مع العلم ان الوزير موظف وهذا ما يجب إدراكه.
هل أنت على علاقة جيدة مع بعض المثقفين المعترضين أو المعارضين؟
- لدي علاقة جيدة مع الجميع، هناك مواقف قريبة تخجل أن تتطرق اليها، على سبيل المثل حين أطلقنا ربيع الثقافة كاحتفالية، كان الهجوم الأول من المثقفين البحرينيين. لماذا لا يكون هناك نشاط بحريني؟ هل سمعت ان الثقافة مجنسة؟ الثقافة ليست لها جنسية. إذا كررّنا الأنشطة نفسها لا نكون قدّمنا شيئاً جديداً، ولا أعلم كيف أستطيع أن أوصل اليهم رسالة إذا لم يروا جديداً. إنهم مكتفون بذواتهم ويعتقدون ان حوارهم اليومي هو قمة الثقافة. اننا كل يوم نكتشف جهلنا، فلا أحد يستطيع أن يقرأ كل شيء ولكن لا أخجل عندما أقول انني أعرف الكثير وأجهل الكثير. هذه الحقيقة وهذه هي الثقافة.
عانيت من الرقابة خصوصاً عندما أقمتم «ربيع الثقافة» والرقابة قضية يعانيها المثقفون العرب في البلدان العربية، كيف تنظرين الى مفهوم الرقابة كوزيرة للثقافة؟
- الرقابة لا تكون إلا ذاتية، يعني أنت حين تختار، تكون مسؤولاً عن اختيارك، وحين تكون مسؤولاً عنه تمشي الى آخر الخط. عندما أقمنا «ربيع الثقافة الثاني» الذي أثار جدلاً مع مرسيل خليفة فوجئنا فعلاً، أتينا بشاعر في حجم قاسم حداد وبفنان مثل مرسيل خليفة. أنا لم أتدخل في العمل الفني، أنا عندي ثقة مطلقة. كلمني أحد الأشخاص وقال لي هناك مشاهد في المسرحية جريئة. ثم اتسعت الحملة. ولم أتأثر. ولم أسع الى تغيير شيء. الحرية عندي مقدسة. إذا أعطيت شخصاً ما مجالاً كبيراً ليقدم عملاً فنياً ليس فيه إسفاف، بل يكون الفن فيه راقياً، فهو سيكون على مستوى هذه الثقة. وإذا أنت لم تدرب العين على تذوق الجمال ككل فإن الجزئيات ليست مهمة. فالمشهد الصغير جداً والعابر من ضمن هذا العمل الجبار لا يستحق أن نقف عنده ونركز عليه، فهو يمرّ في سياق فني شامل. تلك الحملة التي قامت لم تهمني، كانوا يهاجمونني وكنت أنا مشغولة بمشروع آخر.
هل هناك رقابة على الكتب مثلاً في البحرين؟
- هناك مساحة كبيرة من الحرية.
ما هي المشاكل التي تعانينها في عملك الوزاري؟
- الوقت الوقت الوقت... وهذا الإيقاع السريع في العمل بدأت أدفع ثمنه صحيّاً... ولكن ليس هناك عمل ونجاح من دون تضحيات. إضافة الى السفر واللقاءات والمؤتمرات... المشاريع أحب أن أحركها، أحب البناء. يمكن أن يكون هذا أكثر شيء أشعر بأنني أستطيع أن أحققه لهذا البلد. كل المشاريع تختفي إن لم تحققها. ولكن حين تبني مسرحاً وطنياً أو متحفاً ومتحفاً للطفل فالأمر يختلف حينذاك.
ثقافة الشباب
وماذا عن ثقافة الشباب؟
- ثقافة الشباب مهمة جداً ونعتمد عليها. والبناء شيء أساسي بالنسبة للشباب فهم الذين سيصنعون المستقبل ويجب علينا أن نمهّد لهم. ازرع مفهوماً جديداً للثقافة الشبابية، وهناك مشروع حيوي وأعطى ثماره. وبدأت في الوزارة بمشروع آخر هو «حب وطني في قريتي»، ويقتضي علينا أن نجمّل بعض الشوارع والأحياء، إضافة الى أنشطة الصيف ذات المستوى الراقي.
المكتبات العامة، هل تعملين على فكرة تأسيس مكتبات عامة؟
- أتمنى، المكتبات العامة ما زالت تابعة لوزارة التربية، وهذا خطأ، أتمنى أن تعهد الى وزارة الثقافة، ففي هذه الوزارة مركزها الطبيعي. وهذا الموضوع أعتقد انه سيطرح مستقبلاً. أما في مركز الشيخ ابراهيم، فعندي مكتبة صغيرة. والآن ستنتقل المكتبات الى القرى والصدى جميل جداً. أحاول أن تنتشر المكتبات في كل مكان تحت عنوان «اقرأ: مكتبة للتعليم». المكتبة الصغيرة هذه تتوجه الى أطفال الأحياء والمناطق.
كيف تصفين ردود فعل المثقفين البحرينيين إزاء مشاريع الوزارة؟ هل هناك تجاوب؟ هل هناك أخذ وعطاء؟
- للأسف أقول كلا، وهذا أمر يحزنني. هناك فجوة، هناك أناس كبار نحن على تواصل معهم مثل قاسم حداد على سبيل المثل. إنها أسماء مهمة ومنفتحة على الحوار. لكنني أحزن عندما يكون نشاط كبير ثقافي ولا يشهد حضور مثقفين بحرينيين. لما أقمنا احتفالية في ذكرى محمود درويش وهي كانت أول احتفالية بهذه الذكرى عربياً وقد أعددنا كتاباً جميلاً بالمناسبة، لامني مثقفون من الكويت والسعودية بسبب تغيب شعراء البحرين عن الاحتفالية. وقد حزّ في نفسي يوم تقديم جائزة الصحافة ان المعنيين في البحرين لم يحضروا. كان عندهم موقف هو لماذا لم تكن الجائزة مقصورة على الصحافيين البحرينيين؟ وهذه مسألة فيها مكسب للبحرين. اننا ننفتح على الآخر، ويجب ألا نحصر أنفسنا في البحرين.
نعرف أن وزراء الثقافة العرب يعقدون اجتماعات دورية ودائماً يخرجون بتوصيات مهمة على المستوى النظري لكننا نلاحظ انها تبقى حبراً على ورق. ماذا تحدثيننا عن هذه اللقاءات وهذه المشاريع التي لا تتحقق؟
- أنا أعتقد ان العلاقات الشخصية تحقق نجاحات أكبر على مستوى التعاون بين الدول الخليجية والعربية أكثر من اللقاءات الرئيسة التي تأخذ طابعاً بروتوكولياً سياسياً ورسمياً محدداً.
حتى على مستوى الثقافة؟
- حاولت مرة، ويحز الأمر في نفسي. كان مجلس التعاون الخليجي يقيم أسبوعاً ثقافياً في الهند فقلت لهم لا يمكن أن نعد الأسبوع بسرعة خلال شهرين، يجب أن نعد له قبل سنة ويجب أن نذهب ونرى المكان ونحضر. كيف نقدم أنفسنا للآخر إذا لم يكن هناك إعداد؟ يقتلني الارتجال ويجب الإعداد وكذلك الجدية. نحن للأسف نجيد الحوار والنقاش ولا يوجد عندنا روح تنفيذية. أنا لا أتكلم في الاجتماعات وأرى كلاً يدلي بدلوه وأسمع كلمات رنانة. وغالباً ما تكون المداخلات طويلة وعريضة. وهذا الطابع نتميز به نحن، بينما يحترم الأجانب الوقت.
هل تعتقدين أن هناك أملاً ما بأن تقوم نشاطات ثقافية عربية مشتركة من خلال وزارات ثقافية عربية؟
- الأمل موجود دائماً، وإذا كنا سنشتغل بهذا الهاجس وبأفكار بسيطة صغيرة فلا بدّ من أن نصل. لنبدأ بالصغير وندعه يتسع. لكن المشكلة اننا نطرح مشاريع خيالية وينقصنا ان نتحد على أمور معينة. ولو بدأنا كمنظومة خليجية واتجهنا الى الدول العربية لتمكنا قدر الإمكان من تنفيذ مبادرة ما.
أنتم تتهيأون الآن للاحتفال بالمنامة عاصمة ثقافية عربية لعام 2012. كيف تنظرين الى ظاهرة العاصمة الثقافية؟
- بدأ مفهوم الثقافة يتغير وأصبح هناك بعد آخر للثقافة قادر على أن يروّج لأي بلد ثقافياً. في الآونة الأخيرة اكتشف السياسيون أن الثقافة هي مدخلهم الى العالم لمكسب سياسي واقتصادي. وأعتقد أن هذا الوعي الجديد هو الذي سيحقق نقلة نوعية في عواصم الثقافة العربية. أنا أستطيع أن أحرك الاقتصاد الوطني من خلال أنشطة ثقافية على مدى عام. والعاصمة الثقافية يمكنها أن تستقطب سياحة ثقافية، تحرك الفنادق والمطاعم، وتحرك الاقتصاد القومي. وحينما تتحقق هذه النقلة النوعية وترتبط الثقافة بمردود اقتصادي تؤكد الثقافة انها ليست مجرد ترف بل هي عمل جاد ورصين وشعبي في آن.
كيف على الثقافة العربية أن تحافظ على خصوصياتها وعلى الهوية الثقافية العربية في زمن العولمة والقرية الكونية؟ كيف تستطيع الثقافة العربية الحفاظ على هويتها.
- نحن مهددون وقد ساهمنا في هذا التهديد لأننا نسينا اننا عندنا لغة عربية هي التي جعلتنا نتميز عالمياً ونطل من خلالها على العالم. اليوم تتراجع لغتنا أمام زحف التكنولوجيا الغربية، لا سيما من جهة الجيل الجديد والشاب. أقامت وزارات الثقافة والتربية حملات لتعزيز اللغة العربية وأساليب تدريسها ويجب أن تستمر. أنا مطلوب مني أن أتقن اللغة الإنكليزية لكي أتكلم لغة العالم ولكن مطلوب مني أن أحافظ على لغتي، ولغتي هي أجمل شيء عندي، فهي التراث الوحيد الذي يجمعني بالآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.