ذرف آلاف المدنيين الذين تجمعوا شرق حلب ليل الثلثاء- الأربعاء في انتظار إجلائهم إلى الريف الغربي للمدينة، الدموع وهم يستعدون للافتراق عن مدينتهم، لكن صباح أمس تغير كل شيء مع عودة كابوس المعارك والقصف بعد تجميد ترتيبات الاتفاق الروسي- التركي لإخراج الفصائل والمدنيين الذين تأرجحوا في لهيب «جحيم حلب»، ما استدعى مفاوضات بين موسكووأنقرةوطهران لإنقاذ الاتفاق. وصعّدت موسكو ضد واشنطن، ما اعتُبر وقفاً للمفاوضات بين الطرفين، على رغم اتصال هاتفي بين وزيري خارجية البلدين ليل أمس، والاستعاضة عنها بمفاوضات مع الدول الإقليمية مع سعي إيران كي تكون بلدتان شيعيتان في ريف إدلب جزءاً من «ترتيبات حلب». (للمزيد) وعاودت الطائرات الحربية تنفيذ غاراتها الأربعاء، وتجددت الاشتباكات لتقض مضاجع المدنيين شرق حلب وتثير الذعر في بقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها الخمسة كيلومترات مربعة. وشاهد مراسل لوكالة «فرانس برس» عدداً كبيراً من السكان يهربون مذعورين في الشوارع إثر تجدد القصف من دون مأوى يلجأون إليه. وسارع آخرون إلى الاحتماء في مداخل الأبنية المهدمة. وقال الناشط المعارض في حلب محمد الخطيب: «الوضع كارثي في حلب، لا يمكن وصفه إطلاقاً والناس خائفة جداً. الوضع سيئ جداً. القتلى والجرحى على الأرض ولا يتمكن أحد من سحبهم» نتيجة كثافة القصف. وفي هذا المربع الضيق في شرق حلب، لم يعد بإمكان السكان التواصل مع العالم الخارجي سوى عبر الإنترنت، ويعبّر عدد كبير منهم عن مأساته عبر تعليقات ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى رغم أن الحزن لم يفارقهم لحظة وهم ينتظرون الموعد المفترض لإجلائهم من دون أن يعلموا إن كان بإمكانهم أن يعودوا ذات يوم، كان الشعور بالخلاص حافزهم الوحيد. ووصف مراسل «فرانس برس» ما رآه خلال انتظار المدنيين في أحد الأحياء، قائلاً: «عيون الناس من حولي كانت دامعة وجميعهم يبكون». وقال إنه رأى سكاناً يحرقون سياراتهم ودراجاتهم النارية كي لا تصادرها قوات النظام السوري. حتى أن بعض المقاتلين عمد أيضاً إلى حرق أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة وعطبها. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» ب «حالة خوف شديد» لدى المدنيين. وعلق على تدهور الوضع الميداني: «القصف عنيف والاشتباكات على أشدها... الأمور عادت إلى نقطة الصفر». وقال مصدر قريب من السلطات في دمشق، إن الحكومة علقت تنفيذ الاتفاق «لارتفاع عدد الراغبين بالمغادرة من ألفي مسلح إلى عشرة آلاف»، لكنه أشار لاحقاً إلى استمرار المفاوضات للوصول إلى حل. وفيما اتهم نشطاء معارضون ميليشيات مدعومة من إيران بقصف شرق حلب «لأنها تريد أن تكون بلدتان شيعيتان (الفوعة وكفريا) في ريف إدلب جزءاً من الاتفاق»، قالت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، إنها تلقت مزاعم تشير إلى منع مجموعات مسلحة بينها «النصرة» (فتح الشام) في شرق حلب المدنيين من مغادرة المدينة لاستخدامهم دروعاً بشرية. وأعلن «الهلال الأحمر التركي» أن ألف مدني على الأقل، نقلوا إلى إدلب على بعد عشرات الكيلومترات غرب حلب. وبحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، «الوضع في حلب، وهو هش جداً ومعقد»، بحسب أردوغان. وقال قبل الاتصال: «كنا نأمل في أن تكون عملية الإجلاء بدأت، لكن للأسف بدأت الصواريخ مجدداً بالسقوط». وأضاف: «لذلك نبقى حذرين»، مؤكداً أن وقف إطلاق النار هو «آخر أمل» لشعب حلب «البريء». وبدا أن موسكو اتجهت إلى قطع اتصالاتها مع واشنطن حول سورية، التي اعتبرها وزير الخارجية سيرغي لافروف «عقيمة»، واتهم الأميركيين برعاية «وحش إرهابي جديد»، في إشارة إلى «جبهة النصرة»، التي قال إن واشنطن «تحاول بشتى الوسائل تجنب توجيه ضربات إليها»، وتتعمد «إفشال كل محاولات فتح ممرات إنسانية في حلب، عبر الإصرار في كل مرة على تقديم شرط وقف النار لإفساح المجال أمام الإرهابيين لتجميع قواتهم والحصول على أسلحة ومعدات». وفي مقابل اللهجة الشديدة مع واشنطن، أبدت موسكو انفتاحاً لمواصلة «مشاورات مكثفة مع أنقرة» لإنقاذ اتفاق خروج المدنيين والمسلحين من الأحياء الشرقية في حلب، ومع أن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أشار إلى «ديناميكية إيجابية لجهة تقدم الجيش السوري والاقتراب من الانتهاء من عملية تحرير حلب من الإرهابيين»، لكنه لفت في الوقت ذاته إلى محادثات هاتفية بين بوتين وأردوغان هدفت إلى وضع آلية لاستئناف العمل بالاتفاق. في طهران، نفي مصدر إيراني مطّلع أي علاقة للمستشارين الإيرانيين العاملين في سورية بعملية وقف إطلاق النار في منطقة شرق حلب وخروج المسلحين منها. وقال ل «الحياة» إن «مثل هذه المعلومات تريد التقليل من أهمية الدور الذي يلعبه الجيش السوري والمفاوضات غير المباشرة التي يقوم بها مع المسلحين للخروج من حلب والشروط التي يضعها لإتمام عملية خروج هؤلاء المسلحين»، لافتاً إلي أن «المسلحين لا يزالون يحاصرون مدن الفوعا وكفريا التي تقطنها غالبية من الشيعة السوريين». وأجري وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أمس، اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، لبحث مستجدات حلب. كما جرى اتصال بين ظريف ولافروف. وقالت مصادر وزارة الخارجية الإيرانية إن المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف نقل إلى الجانب الإيراني خلال زيارته طهران، مقترَحاً لعقد اجتماع ثلاثي علي مستوي وزراء الخارجية بين تركياوإيران وروسيا للبحث في التطورات السورية. وأعلنت الخارجية الروسية أن لافروف ناقش هاتفياً مع ظريف الوضع في حلب والقضاء على إرهابيي «داعش» و «جبهة النصرة» وسبل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في حلب. في دمشق، نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن الأسد أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يمكن أن يصبح حليفاً طبيعياً لدمشق إذا كان صادقاً بشأن محاربة الإرهاب. واضافت «سانا» ان الأسد تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس حسن روحاني، وهو الاتصال العلني الاول منذ سنوات، «هنأه فيه بانتصار الشعب السوري في حلب وتحريرها من الإرهابيين»، مشدداً على «استمرار وقوف إيران إلى جانب سورية في جميع القطاعات».