«إعادة استخدام المياه وتحليتها تجارب وفرص»، هو عنوان المؤتمر الدولي الذي استضافته دمشق أخيراً. ونظّمته «شبكة العلماء والتقنيين والمجددين والمبتكرين السوريين في المغترب» («نوسيتا») بالتعاون مع «مؤسسة تحلية المياه في المشرق العربي» و «المؤسسة العالمية للتحلية». وفي سياق المؤتمر، أكّد وزير الإسكان والتعمير السوري المهندس عمر غلاونجي أن المياه مورد طبيعي محدود، واستخدام المياه العذبة في تزايد مطّرد بسبب النمو السكاني، إضافة إلى تطلّب الزراعة للمياه. وأشار غلاونجي إلى إجراءات ترشيد استهلاك مياه الشرب، وتحسين كفاءة استخدام المياه وإعادة استخدامها، التي تنهض بها وزارة الاسكان والتعمير ومؤسسات مياه الشرب والصرف الصحي. وتشمل الإجراءات تشجيع المزارعين على التحوّل من الري بالطرق التقليدية (الغمر والتطويف) إلى الأساليب الحديثة التي تخفض كمية استهلاك المياه، وتزيد المردود إقتصادياً. وبيّن أن هذا التحوّل حدث فعلياً في ما يزيد على 282 ألف هكتار تبنّت طرق ري حديثة مثل الرذاذ أو التنقيط. ولمّح غلاونجي إلى البدء بإعداد استراتيجية وطنية لمنظومة مائية مستدامة هدفها تأمين مصادر مياه إضافية لمعالجة النقص في مياه الشرب، إضافة إلى استبدال الشبكات القديمة وتطوير نظم المراقبة في مشاريع مياه الشرب. وأشار إلى مشاريع الصرف الصحي التي تساهم في حماية مصادر المياه من التلوث، كما تؤمّن مصادر بديلة للري الزراعي. وأعلن العزم على بناء أكثر من 270 محطة معالجة خلال السنوات المقبلة، ما يؤمن قرابة 400 مليون متر مكعب سنوياً من المياه المعالجة، تعتبر مصدراً غير تقليدي للمياه. في المؤتمر عينه، تناول رئيس المؤتمر الدكتور غسان عجة أهمية الادارة المتكاملة للموارد المائية وإعادة استخدامها في المشرق العربي. وكشف أن سورية تعاني ندرة في المياه، إذ يقل نصيب الفرد فيها عن ألف متر مكعب سنوياً. عطش متصاعد سورياً في سياق متصل، تحدّث نائب رئيس شبكة «نوسيتا» فؤاد أبو سمرة عن المياه باعتبارها مسألة وطنية وعربية مهمة، لأن المنطقة العربية تعاني من ندرة المياه بأثر من استنزاف الموارد الطبيعية المحدودة أصلاً. وأضاف: «إشكالية إعادة استعمال المياه أضافت بعداً جديداً لمفهوم إدارتها. فمثلاً، أظهرت تجارب كثيرة أن المصادر غير التقليدية للمياه لا تخضع للاعتبارات القانونية والمؤسساتية التي تخضع لها الموارد التقليدية. إذ تعتبر المياه المعاد استخدامها مصدراً يخضع لقوانين العرض والطلب لأنها منتج إصطناعي جاء من عملية معالجة تضمنت تطبيق تقنيات مختلفة. يضاف إلى ذلك، عدم القدرة على تطبيق مفهوم سائد بأن المياه هبة مجانية من الخالق، وبالتالي فهي من حق كل فرد». وفي نفسٍ مُشابه، تحدّث رئيس «الجمعية الدولية لتحلية المياه» المهندس عماد مخزومي، موضحاً أن المياه ليست موزعة في المنطقة العربية في شكل متساوٍ. وأشار إلى أن 150 دولة تعمد إلى تحلية المياه، وأن 500 مليون شخص يعتمدون على المياه المُحلاّة، مع توقّع أن تتضاعف عمليات تحلية مياه البحار، مع حلول العام 2015. في الإطار عينه، أثنى عضو مجلس أمناء شبكة «نوستيا» الدكتور عمر الأرمنازي، على الجهود التي قامت بها «المدرسة العربية للعلوم والتكنولوجيا» في وضع أحدث التطبيقات علمياً وتقنياً، أمام أساتذة وجامعات وباحثين ومهندسين وعاملين في مجالات الصناعة وحقول التنمية والإنتاج، عِبر عقدها سلسلة من الحلقات التخصصية والمؤتمرات والورشات والندوات المتخصصة. وأشار إلى ان معظم هذه الجهود ركّزت على تناول موضوعات علمية في المياه والطاقة والبيئة والبتروكيماويات والتكنولوجيا الحيوية والعلوم الصيدلانية، إضافة إلى نشاطات أخرى مثل هندسة المنتج وتصميمه وجودته، وتخطيط البحوث، وإدارة التطوير، وتسويق نتائج البحوث، ونقل التكنولوجيا، وبراءة الاختراع والتعليم الهندسي وغيرها. وأوضح ان التغيّر في المناخ سيتزايد مع مرور الزمن، مع تراكم آثاره على منطقة المتوسط، ما لم تتخذ الاجراءات المناسبة للتأقلم مع هذا الواقع الطبيعي المستجد. وركزت كثير من مناقشات المؤتمر على ضرورة استخدام الوسائل الكفيلة بترشيد المياه وخطط الحفاظ على الموارد المائية وحمايتها من التلوّث، والحدّ من استنزاف المياه الجوفية، إضافة الى رسم صورة عن الواقع المائي في سورية. في هذا الإطار، قدم الدكتور بسام زكار من وزارة الري شرحاً عن الاستراتيجية المائية في سورية التي تهدف إلى الاستمرار بتقويم موارد المياه داخلياً ودولياً، ويشمل ذلك المياه السطحية والجوفية التقليدية وغير التقليدية. وأعلن عن الميل إلى ربط تلك المعطيات مع الدراسات عن السكان، للتوصل إلى رسم صورة عن تطوّر الطلب على المياه وتوزّعه على القطاعات الاقتصادية المختلفة، اضافة إلى تحديد المشاريع المائية المستقبلية وإعادة تأهيل المشاريع القائمة، مع تأمين مياه الشرب النظيفة وتأهيل الكوادر وتطبيق تشريع مائي وتنشيط التعاون مع المنظمات الدولية العاملة في مجال المياه. وأوضح أن هذه الاستراتيجية تعتمد على الاستخدام الأفضل للموارد المائية وترشيد استخدامها، اعتماداً على تقنيات الري الحديث، مع تحسين كفاءة شبكات المياه. وكذلك بيّن أن الاهداف العامة لهذه الاستراتيجية تتمثّل في حماية مصادر المياه من التعدي والتلوث، وتطبيق التشريعات اللازمة لحمايتها. آفاق استدامة المياه وأوضح زكار أن عدد السدود في سورية حاضراً هو 161 سداً، تصل طاقة تخزينها إلى قرابة 19 بليون متر مكعب، إضافة إلى 8 سدود قيد التنفيذ حاضراً، و5 سدود قيد التأهيل. وأشار إلى أن إجمالي المياه السطحية والجوفية المستخدمة في الري الزراعي يبلغ 18, 16 بليون متر مكعب، ومياه الشرب 1,553 بليون متر مكعب، والمياه المستخدمة في الصناعة 0,519 بليون متر مكعب، في ما يقدر الاستنزاف الكلي للمياه بقرابة 2.75 بليون متر مكعب. وفي سياق متصل، أشار رئيس «مؤسسة العائدي للثقافة والاتصالات والتنمية» عثمان العائدي إلى ضرورة وضع سياسات صارمة للاستخدام الأمثل للموارد المائية السطحية والجوفية، بهدف الحفاظ عليها. وحضّ على إنشاء محطات لتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي، مع الاستفادة من مخلفاتها في ري الأراضي الزراعية في المنطقة العربية. ولاحظ أن 13 بلداً عربياً ستكون من الأشد فقراً في موارد المياه في مستقبل قريب، مع إنخفاض نصيب الفرد في 8 منها إلى أقل من 200 متر مكعب سنوياً. وعرض يو واه لونغ مدير إدارة مجلس المرافق العامة في سنغافورة تجربة بلاده في ضمان استدامة المياه، مشيراً إلى تطبيق مبدأ الموارد الأربعة للحفاظ على المياه وهي: تجميع مصبات الأنهار، وتجميع مياه الأمطار البعيدة، ومعالجة مياه الصرف الصحي وأخيراً تحلية مياه البحر. وتحدث عن تعاون القطاعين العام والخاص في تنفيذ عدد من المحطات المتصلة بهذه المصادر. وعلى غرار ذلك، قدّم نائب رئيس سلطة المياه في فلسطين ربحي الشيخ لمحة عن تحديات قطاع المياه في الأراضي الفلسطينية والرؤية المستقبلية لها في ظل استنزاف إسرائيل لمصادر المياه الفلسطينية. وجاء هذا المؤتمر في ظل اعتماد مؤسسة مياه عين الفيجة في دمشق سياسة تقنين في مياه الشرب، إضافة الى الحديث في الصحف عن المعاناة التي يعيشها بعض سكان القرى، خصوصاً في محافظة درعا، من قلة المياه في منازلهم. ويشكو هؤلاء من غياب مياه الشرب معظم أيام الاسبوع، مع غياب الاشراف المناسب من السلطات المحلية المعنية بالمياه.