أعاد التفجير الذي تعرضت له الكنيسة البطرسية في العباسية، شرق القاهرة، إلى الأذهان اعتداءات عناصر «جماعة الإخوان» وحلفائها على الكاتدرائية المرقسية القبطية، والتي جرت وقائعها مطلع نيسان (أبريل) 2013، فيما كان الرئيس المعزول محمد مرسي جالساً في قصر الاتحادية الرئاسي لا يحرك ساكناً. هذا الهجوم الذي ألحق خسائر كبيرة في المبنى العريق وخلّف قتلى وجرحى من الأقباط، كان بداية لسلسلة من الهجمات العنيفة تعرضت لها الكنائس في مصر من قبل عناصر «الإخوان»، لاسيما في أعقاب فض اعتصامي الجماعة في رابعة العدوية والنهضة، اللذين شهدت منصاتهما تحريضاً من كبار قادة الإخوان على الأقباط بعد نعتهم ب «الكفر»، وهو ما استمر من خلال وسائل الإعلام المحسوبة على الجماعة. ووفقاً لتقارير حقوقية، فإن نحو 43 كنيسة أغلبها في صعيد مصر، لاسيما محافظة المنيا، تعرضت لاعتداءات خلال الأسبوع الذي أعقب اعتصام الإخوان، من بينها نحو 27 كنيسة نُهبت وحُرقت بالكامل. كما طاولت الاعتداءات مدارس وجمعيات مسيحية ومباني خدمية، واغتال مسلحون في شمال سيناء بعد أيام من عزل مرسي القس مينا عبود، راعي كنيسة في العريش، وهو الحادث الذي تكرر في حزيران (يونيو) الماضي حين قُتل راعي كنيسة «مار جرجس» بالعريش القس رافائيل برصاص مسلحين. كل تلك الحوادث أظهرت أن جماعة الإخوان وحلفاءها وضعوا الأقباط هدفاً لهم، بالإضافة إلى رجال الشرطة والجيش، وهو ما يؤكده الخبير في الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي، الذي أوضح ل «الحياة» أن الجماعات المسلحة لديها استراتيجية للاستهداف تضم «رجال الأمن والأقباط والشخصيات العامة». ويربط فرغلي بين استهداف الكنيسة البطرسية، والتفجير الذي وقع يوم الجمعة الماضي في محيط مسجد السلام في حي الهرم، مؤكداً أنها «جماعة واحدة.. فالاستراتيجية واحدة ومعروفة.. سعت إلى شغل الناس بحادث الهرم لتنفذ الحادث الأكبر»، مشيراً إلى أن تلك الجماعات «لديها تخطيط جيد وتقوم بمتابعة الهدف لفترة، وحين تتحين الفرصة تنفذ العملية». ولفت إلى أن عملية الأمس «لا تحتاج إلى تنظيم كبير، فالمتفجرات تستطيع تركيبها الجماعات الصغيرة عبر مواد متوافرة ويتم تسريبها عبر الحدود». وقال إن العمليات المسلحة التي تجري في مصر «مثل موج البحر تزيد في فترات وتنحسر في فترات أخرى». وأشار الباحث في التنظيمات الإسلامية، أحمد بان، إلى أنه عبر التاريخ لم تكن للتنظيم الخاص التابع لجماعة الإخوان المسلمين «عمليات تستهدف الأقباط، بل كانوا يلاحقون الأجانب واليهود، حتى أن مؤسسها حسن البنا كان يستعين بمستشار قبطي، كما أنه حضر جنازة الوزير السابق مكرم عبيد، لكن الأمر تطور على يد التنظيم القطبي الذي توسع في تكفير أركان المجتمع». وأضاف بان، الذي كان عضواً في جماعة الإخوان قبل أن ينشق عنها، ل «الحياة»، أن»الإخوان ناصبوا العداء للأقباط بعد 30 يونيو، حيث أنهم يرون المسيحيين طرفاً رئيساً في ترتيبات عزل مرسي، حين كان رأس الكنيسة البابا تواضروس حاضراً في اجتماع أطياف المجتمع في 3 يوليو 2013 الذي أعلن عزل مرسي. ومن هنا بدأت عمليات استهداف الأقباط كرد انتقامي». وأشار بان إلى أن توقيت عملية الأمس مهم، «فكلما تقدمت الدولة سعى هؤلاء لجرها إلى الخلف. فسيكون لهذه العملية انعكاسها الكبير على عودة السياحة والاقتصاد المصري». لكن بان يختلف مع ماهر فرغلي في «كون القائمين على العملية تنظيم صغير»، موضحاً أننا «إما نكون أمام عملية لفلول داعش الذين تمكّنوا من التسلل عبر الحدود بعد تراجع التنظيم في سورية والعراق، أو نكون أمام تطوير لعمليات لجان العمليات التي خرجت من كنف جماعة الإخوان كحركة حسم». في المقابل، أوضح وكيل جهاز أمن الدولة السابق اللواء فؤاد علام ل «الحياة» أنه خلال الأشهر الأخيرة «باتت إمكانات التنظيمات المسلحة أكبر وأكثر عنفاً عن الفترات الماضية، فما يظهر أن تلك الجماعات تلقت دعماً كبيراً مالياً ولوجيستياً مكّنها من تنفيذ مثل تلك العمليات». وأشار إلى أن تلك الجماعات «تغير من أهدافها، ففي فتراتٍ تستهدف رجال الشرطة والجيش وفترات أخرى تنفذ عمليات اغتيال لشخصيات عامة أو قضاة، وفترات ثالثة تلاحق الأقباط.. لكن الهدف الرئيس هو تقويض الدولة وإسقاط النظام الحاكم. كما أن التوقيت مرتبط بتلك المجمعات عندما تتحين الفرصة أو الثغرة الأمنية توجه ضربتها». لكن علام يحذر من استمرار الاعتماد على «الأمن فقط في مكافحة الإرهاب»، داعياً إلى وضع استراتيجية علمية تشمل الجوانب الفكرية والثقافة والسياسية والاجتماعية، وهو ما تم تنفيذه في ثمانينات القرن الماضي ونجحت في القضاء على الإرهاب في أواخر التسعينات». وقال ل «الحياة»: «أن توكل مكافحة الإرهاب إلى الأمن فقط لن يقضي عليه بل ستزداد العمليات عنفاً وضراوة، نحن نكرر المأساة ذاتها، نحتاج إلى منظومة علمية تكلف فيها مجموعة من الوزارات بمسؤوليات في مكافحة الإرهاب وتجفيف مصادر الفكر والتمويل.. هذا هو السبيل، وأقترح تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب».