لم يدر في خلد ياسر بكر وهو يؤسس ناديه للكوميديا عام 2012 في مدينة جدة أن يتحقق النجاح بهذه الوتيرة السريعة، إذ أصبح من المعتاد الآن نفاد جميع تذاكر العروض التي ينظمها نادي جدة للكوميديا بعد يومين أو ثلاثة فقط من طرحها للبيع، وحجم الطلب والإقبال يتزايد على أمسياته الفنية. يبدو أن الفكرة صادفت أرضاً متعطشة ومواهب خصبة لاستثمارها، إذ يصعب أن تجد في السعودية فرصاً واسعة للترفيه وقوائم مقنعة من الخيارات التي يواجهها الشباب خصوصاً، وهو ما تحاول هيئة الترفيه حله، بعدما أُنشئت أخيراً ضمن خطط التحول الوطني لإنفاذ رؤية المملكة 2030. درس ياسر بكر، الذي يسكن في جدة، الهندسة الكهربائية وعمل بها في بداياته، لكنه الآن تخصص في المجال الإعلامي وتحديداً في الكوميديا سواء في الكوميديا الارتجالية «ستاند أب كوميدي» أو في كتابة نصوص المسلسلات الكوميدية في شبكات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى التقديم الإعلامي العام لبرامج المنوعات المختلفة المحلية. استطاع بكر وبالتعاون مع كوميديين آخرين تسجيل نادي جدة للكوميديا رسمياً كمنصة لرواد الكوميديا المحليين لعرض مواهبهم مع صقل وتنمية المواهب الصاعدة، وواجه في طريق البدايات جملة من التحديات، ولكن المجتمع المتغير بفضل الفضاءات الإلكترونية الجديدة قدم دعماً وتشجيعاً منقطع النظير للخطوات الشجاعة في سبيل الترفيه وتنويع خيارات الترويح عن النفس، ولعل أبرز ما واجه المشروع هو إضفاء الصفة القانونية على النادي الذي مثل تحدياً حقيقياً في ظل أنظمة وقوانين لا تتمتع بالقدرة نفسها على استيعاب حجم التبدلات الثقافية والاجتماعية الطارئة. يصف بكر النتائج بأنها «تسير على نحو رائع»، وكأنها تأتي بأكثر مما هو متوقع، إذ نجح النادي في استقطاب مئات المواهب من خلال تجارب الأداء التي يقيمها دورياً، يشارك بعضهم في عروض رسمية، وآخرون يملكون صفة عضوية نشطة ويقدمون عروضهم باستمرار على المستوى الوطني والدولي. خلال العام 2014 وعبر مهرجان «كنا كدا» الذي نظم في المنطقة التاريخية لمدينة جدة، حيث تكتظ أروقته بالمرتادين والمتجولين، كان نادي جدة للكوميديا على موعد مع لحظة تاريخية، ستكون فاتحة مرحلة من الاحتراف والتميز، إذ قدم النادي على مسرح البلد ما اعتبر أكبر حدث «استاند أب كوميدي» في تاريخ السعودية، وشهد المهرجان 10 عروض من تقديم 34 من كبار الكوميديين في السعودية وبحضور 7 آلاف شخص. جاءت أندية الكوميديا مدفوعة بشعبية الإنترنت التي خلقت جماهيرية واسعة لفن «استاند آب كوميدي»، ورفعت من سقف التناول الإعلامي لهموم المجتمع على خلاف الأقنية التقليدية في الصحف والمنتديات، والتي خسرت حضورها أمام التطبيقات التقنية الجديدة. وعلى رغم كون فنون المسرح الارتجالي مستوحاة من الثقافة الغربية، ولكنها شهدت صوراً من النجاح والتميز المحلية، إذ خلقت لها جمهورها الخاص بها والمتفق مع لغتها وأدواتها النوعية، واستطاعت أن تجذب جمهور الأقنية التقليدية، لتندفع إلى الساحة بقوة. فيما كانت ذروة انتشار هذا الفن في العام 2012 عندما أقامت أمانة منطقة الرياض للمرة الأولى عروض «استاند آب كوميدي» بمشاركة نخبة من النجوم الشباب، والذين اشتهروا بتقديم البرامج في التليفزيون و«يوتيوب» ومواقع التواصل الاجتماعي. الرابطة بين منصات «يوتيوب» وخشبة «استاند آب كوميدي» وثيقة ومتلازمة، فهي تمول بعضها البعض بالمواضيع التي تطرح، وبالوجوه الجديدة التي تظهر بين حين وآخر، ذلك لأن المنصات الجديدة سريعة الاحتراق وتلتهم نجومها بإيقاع عالٍ ومن دون اكتراث، وهو الأمر الذي تفك معضلته أندية الكوميديا باستقطاب المواهب الشابة وضمان تدفقها باستمرار. كان التوسع في المدن والبلدان الأخرى واحداً من أبرز أهداف ياسر بكر وفريق عمله في نادي جدة للكوميديا، واعتبر الأمر قيد الدرس والتأمل، ولكن وتيرة التغير وتأميم الثقافات المحلية لم يعد ملكاً لأحد، في ظل حالة اتصالية غير مسبوقة بين الأفكار والعادات، وهو الأمر الذي لم يمهل بكر وزملاءه للتمدد على مهل، إذ بدأت بعض المدن السعودية في استقطاب التجربة وتأسيس أنديتها الخاصة للكوميديا عبر شباب واعد ومتعطش للتأثير والتعبير، إذ أسس حارس مرمى المنتخب السعودي ونادي الشباب والاتفاق الكابتن محمد خوجة، وشريكه ماجد أبوالخير نادي المدينة للكوميديا في عام 2014 في المدينةالمنورة. ويعمل النادي على البحث عن المواهب الكوميدية وتدريبها وصقلها وإعطائها الفرصة لتظهر موهبتها أمام الجمهور عبر مواسم تجارب الأداء، ويقدم النادي عروض الكوميديا الارتجالية على مسرح مركز الأمير سلطان بن سلمان، حيث يقدم العرض مجموعة من أعضاء النادي، ومن المواهب الجديدة التي تظهر للمرة الأولى على المسرح، بحضور مقدم ونجم ختام من مشاهير الكوميديا في المنطقة العربية، وانتهى للتو من العرض الأول ضمن الموسم الثالث له منذ انطلاقه. في جازان، المدينة الواعدة جنوب السعودية، محاولات متذبذبة لتأسيس مجموعة على هذا النحو، واجتمعت الجهود أخيراً، وكادت تطلق أولى عروضها على مسرح نادي جازان الأدبي بمشاركة جمعية الثقافة والفنون في منطقة جازان ومجموعة جازان للكوميديا، ورعاية رسمية من مجلس التنمية السياحي في المنطقة، للكوميديين مهند الجميلي، وعبدالرحمن مدخلي. ولكن العرض أوقف بتوجيه من مسؤول رفيع المستوى في المنطقة، بحجة عدم وجود ترخيص من وزارة الثقافة والإعلام، الأمر الذي يذكر بالصعوبات الأولى التي واجهها بكر ورفاقه في رحلة البحث المضني عن تصريح رسمي، قبل أن يبتلع نجاحه المدوي كل المعوقات.