على بوابة فندق يحمل تصنيف «خمسة نجوم» يقف أحمد العبادي، يخرج من غرفة لا تزيد مساحتها عن ثلاثة أمتار مربعة، حاملاً عصاه الخشبية، وبعد جولة سريعة على البوابة، تحت أشعة الشمس الحارقة من أجل تنظيم السير وحركة السيارات، يعود إلى غرفته لمراقبة أمن الفندق، عبر الشاشات الصغيرة التي تنتصب أمامه. ويصف عمله بأنه «شاق، ويحتاج إلى طاقة جسدية ونفسية. وأن أتقبل الكلمات القاسية بصدر رحب»، مضيفاً: «على رجل الأمن (السيكورتي)، أن يكون نبهاً ويقظاً أثناء فترة عمله، فهو المسؤول الأول عن أمن المكان والمنشأة التي يعمل فيها، ومسؤول أيضاً عن تنظيم الحركة الداخلية والخارجية». وبعد أن يذكر العبادي، الذي أمضى في هذا العمل نحو 10 سنوات، مواقف مر بها، يقول: «ليس لديّ أيّ مشكلة أو صعوبة في الوقوف أثناء الصيف والعمل تحت أشعة الشمس، أو حتى في برودة الجو وتقلبات الطقس. لكننا نواجه مشكلات عدة، من بينها عدم التقدير والاحترام من بعض الأشخاص، بل يصل الأمر إلى الإهانة أحياناً. كما انه ليس لدينا الصلاحيات الممنوحة لرجل الأمن (الشرطة)، على رغم أننا نقوم بالمهام نفسها. لكن الاختلاف فيما بيننا كبير جداً في المميزات والصلاحيات». ويشير إلى أنه خلال سنوات تنقل بين شركات أمن عدة، وكانت أكبر مشكلة تواجهه هي تدني الراتب، «فمع سنوات الخبرة لا يتجاوز راتبي الشهري الآن 1800 ريال، والذي في كثير من الأحيان يأتي متأخراً عن موعده بأسبوعين. كما لا يوجد تأمين صحي، أو إجازة سنوية، فقط يوم واحد في الأسبوع، وفي حال الغياب، إن كان بعذر فيخصم من راتبي يوم، أما من دون عذر فيخصم مني بمقدار أربعة أيام». وتكاد شكوى معظم رجال الأمن الذين التقهم «الحياة» تتفق على «غياب المميزات والحوافز» التي يحصلون عليها، وأبرزها «المرتبات الضعيفة» التي ما إن تدخل جيوبهم في أول الشهر، حتى تتبخر بعد أيام قليلة في تلبية بعض من متطلبات الحياة. كما يبدو تذمرهم واضحاً من طبيعة عملهم الشاق، وحرارة الشمس في الصيف، وبرودة الشتاء، وتقلبات الطقس طوال العام، وحتى التصرفات «الجافة» والكلمات «القاسية» التي قد تصدر ممن يتعاملون معهم، مؤكدين أنهم يقابلونها ب «صدر رحب»، فهم يرون ذلك «جزءاً من طبيعة العمل»، إضافة إلى المسؤولية الأمنية الملقاة على عاتقهم، فأمن المنشأة ومن فيها، وتنظيم المكان من أهم وظائفهم. وباستطاعتهم التغلب على كل ذلك، والتأقلم مع الظروف وتجاوز الصعوبات بحسب قولهم. ويقول أمين العمار، الذي يعمل في هذا المجال منذ 13 عاماً، في مجمع سكني تابع لشركة خاصة في الظهران: «لم أوفق إلا للعمل كرجل أمن، فأنا لا أحمل شهادة جامعية، ولم ألتحق في دورات ولا أملك خبرات في أي مجال آخر. ووجدت نفسي في هذا العمل، وأشعر بأنه مناسب لي». لكنه يشير إلى صعوبات تواجهها أثناء العمل «كل عمل فيه صعوبات. لكن كيف نتعامل معها. وأنا اكتسبت الخبرة الكافية، وتعودت بعد سنوات من العمل عليها. لكن المشكلة التي تواجهنا هي تدني الرواتب، وغياب الحوافز. فبعد 13 سنة لا يتعدى دخلي الشهري 2500 ريال، وهذا المبلغ سرعان ما يتبخر ويصبح صفراً في ظل متطلبات الحياة الكثيرة. فهناك الأسرة وإيجار المسكن والمواصلات وغيرها من المتطلبات، مع غياب تام للمميزات الأخرى، مثل التأمين الصحي، والبدلات والإجازات». ويتحدث محمد جريد الذي يعمل «سيكوريتي» في مجمع تجاري كبير في المنطقة الشرقية، عن مميزات شركات الحراسة الأمنية، بالقول: «تختلف هذه الشركات بعضها عن بعض، لكنها تتقاطع في نقطة واحدة، وهي الرواتب الضعيفة، على رغم أنها تعمل منذ سنوات طويلة، وتتعاقد مع شركات كبيرة وإدارات حكومية ومصارف. ولا نعلم قيمة هذه العقود، لكن ما نتسلمه كرواتب ضئيل جداً، فالرواتب تبدأ من 900 ريال، ولا تتجاوز سقف 3000 ريال. على رغم أن العمل شاق وصعب، وحجم المسؤولية كبير، وهو حفظ الأمن، إضافة إلى التنظيم، وذلك بحسب طبيعة العمل ومكانه». وواجه جريد مواقف صعبة أثناء عمله في المجمع التجاري، منها تلقيه «تهديدات بالضرب والاعتداء، من شبان، عندما لا يسمح لهم بدخول المجمع، لأنه خاص بالعائلات، وممنوع على العزاب، وهم يعرفون بذلك. إلا أنني أواجه مثل هذه التهديدات وأتعامل معها بأريحية». ويستعرض ماجد العبدالله وأحمد الموسى اللذان يعملان في مستشفى خاص، طبيعة عملهما، التي تشمل «تنظيم حركة السير خارج المستشفى، ومنع وقوف السيارات أمام البوابات، أو الوقوف الخاطئ، وتنظيم حركة الدخول والخروج في قسم الطوارئ، إضافة إلى حراسة العمارة الخاصة بسكن الممرضات»، مشيرين إلى تأقلمهما مع الوضع، فليس لديهما أي مشكلة في العمل، إلا أن همهما يأتي بعد أيام من بدء الشهر، وتسلم الراتب «الضعيف» بحسب وصفهما، والذي لا يتجاوز ألفي ريال. ومن بين الصعوبات التي تواجههم، ذكر رجال أمن ل«لحياة» أن في مقدمتها «الأجور المتدنية»، مطالبين الشركات والجهات المعنية، وبخاصة وزارة العمل، الوقوف معهم، وذلك ب«وضع حد أدنى لسلم أجور هذه المهنة، وبخاصة بأن هناك شركات كبيرة، وعلى مستوى عالمي، ومصارف محلية، نعمل فيها، ومسؤولون عن أمنها، وعليها أن تراعي ظروفنا المادية، عدم وجود التأمين الصحي، وصلاحيتنا المحدودة جداً»، مضيفين أنه «إذا حدثت أي مشكلة؛ علينا التنازل عن حقنا، حفاظاً على سمعة المكان الذي نعمل فيه، فقد نجبر على ذلك، أو نهدد بالفصل. كما لا تقبل الشركات أعذار الغياب مننا، حتى في أصعب الظروف، فضلاً عن التعامل غير اللائق معنا، سواءً من الشركة، وحتى من بعض أفراد المجتمع».