بدعم من بعض المؤسسات الفلسطينية، وبالتعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، حقق المخرج الفلسطيني الشاب سامر سلامة فيلمين عن بعض من جوانب الحياة الاستثنائية لفلسطينيي العراق في تيههم الجديد في الصحراء. هذه الأفلام التي صوّرها سلامة بكاميرا ديجيتال، جاءت أيضاً بتعاون فني من عدد من الشباب والشابات الهواة، وحملت لمسات فنية اجتهد مبدعها في استنباطها لتحقيق مزج جميل بين المواضيع الجارحة لأفلامه، وبين الجماليات الفنية، اعتماداً على لغة بصرية مشحونة حققت انسجاماً مع توتّر الحالات الإنسانية التي تعرضها، والتي تبدو في الألفية الثالثة وكأنها قادمة إلى المشاهد من عالم آخر لا ينتمي لعالمنا. في فيلمه الأول الطويل «25 ألف خيمة»، يجيب طفل المخيم الطارئ على سؤال عن عدد الخيام في مخيمهم بأنها 25 ألف خيمة، فيتردد صدى جوابه «المجازي» في امتدادات لامتناهية للصحراء. في الفيلم ثمة «تضاد» حيوي تقدمه الكاميرا برشاقة جارحة بين الصحراء كتعبير بالغ الوحشية عن رحلة التيه الجديدة، وبين أشخاص الفيلم بما يحملون من ذاكرة لها سردياتها مع عام اللجوء الأول، كي يصلوا بالمشاهد ومعه إلى خاتمة مأساوية تجعل رحلة صراعهم الذي امتد ستين سنة تنتهي في صورة بائسة بمشهد البداية الأولى : خيام تنصبها أيديهم على عجل ويعانون فيها برد الشتاء الصحراوي وحريق صيفه الحارق، فيما تنهض في تعبيرية آسرة مشاهد إحدى الشخصيات الرئيسة خلال سقايته لمزروعاته التي زرعها على باب خيمته، وبالذات «عبّاد الشمس» كزهرة جميلة، وأيضا كصورة ومعنى يحملان رمزيتهما التي تشير إلى الشمس. يلفت الانتباه في شريط سامر سلامة تلك الزوايا التي تتناوب كاميراه عليها، والتي تنجح في رسم صورة الحياة في واقعيتها، وأيضاً في إبراز وجوه أشخاصه الرئيسيين بما تحمل من آثار المعاناة الطويلة، دون أن تعوزهم القدرة على رؤية واقعهم الاستثنائي في مأساويته بلغة ساخرة تأتي أقرب إلى الكوميديا السوداء، خصوصاً على لسان إحدى الشخصيّات الرئيسة والذي نعرف من «شهادته» أمام الكاميرا أنه ممثل مسرحي تخرّج من أكاديمية الفنون. هذا الذي نشاهده على الشاشة يتحدث في صورة واقعية وخارج خشبة المسرح يكرّر أمامنا أنه «في انتظار غودو»، بل انه ينتمي لشعب لا يزال منذ ستين سنة ونيّف «ينتظر غودو». أما في «بينلوب» فيلم سامر سلامة الثاني، فالمخرج يذهب إلى الإفادة من حكاية «بينلوب» في إسقاط على الواقع الفلسطيني، فبينلوب الفلسطينية العجوز إذ تنسج «الكنزة» الصوفية يعمد زوجها الطاعن في الانتظار إلى كرّ ما نسجته يداها في ما يشبه رغبة داخلية في استمرار النسج وحتى العمل من بداياته. عجوزان في خيمة، فيما الأجيال الشابة تبدو في المشهد الأخير تأشيراً لافتاً إلى قوّة الحياة والإرادة. هو أيضا شريط من تلك البقعة السوداء حيث البشر يغرقون في بؤس عيشهم، وحيث المستقبل والماضي ينسحبان أمام جبروت اللّحظة الرّاهنة بكل شراستها وطغيانها. أعمال سامر سلامة تنطلق من «هواجس فنية»، فيها الكثير من حرفية «العصب البارد»، والقدرة على التقاط التفاصيل والجزئيات الصغيرة والتي تبدو هامشية وعابرة، لتوظيفها في سياقات فنية تحمل الكثير من قوّة التأثير، خصوصاً باعتماده على مشاهد أقرب إلى لوحات شديدة التكثيف ويحمل كل مشهد منها لغة متوارية تدفع المشاهد للتواصل ومحاولة الإجابة عن أسئلة تبدو بديهية ولكنها تحرّض على التفكير فيها بعد المشاهدة. سينما شابّة تتأسس في الشتات وتضاف إلى الجاد والجميل في تجارب السينما الفلسطينية الجديدة.