بدأ بعض وسائل الإعلام في لبنان يبث اعلاناً لجمعيات أهلية يعد اللبنانيين بقرب إقرار قانون يحظر ممارسة العنف المنزلي. يشير الإعلان التلفزيوني الى أن مشروع القانون أصبح في المجلس النيابي الذي يعتبر المحطة الأخيرة لأي مشروع قانون، حيث يقرّ ويصبح تشريعاً نافذاً. ويبدو أن المعنيين بالإعلان من جمعيات أهلية وقوى مجتمع مدني قوبلوا حين طرحوا الأمر على المسؤولين المختصين بالتشريع، بردّ ان الموضوع «ليس وقته». وهو قول طالما كرره مسؤول كبير لوفود نسائية كانت تزوره على أمل أن يساعدها في إقرار قوانين تعنى بشؤون المرأة فيسألهن بالعامية اللبنانية «هلق وقته»؟ وكان المسؤول في سؤاله هذا يريد إفهام النساء بأن الأوضاع السياسية والأمنية في البلد أكثر أهمية من إقرار مشروع قانون «نسائي». وقد يكون المعنيون استخدموا هذا التعبير، وربما وفّقوا هذه المرة لناحية توقيت الطرح مع الأزمة الراهنة، بالقول لطارحي المشروع «هلق وقته؟». وقد يكون هذا ما دفع المعنيين بمشروع القانون والمتحمسين لإقراره الى اللجوء الى التلفزيون لاطلاق حملة إعلانية تمني نفوس اللبنانيين باقتراب موعد حظر ممارسة العنف الأسري عليهم. وكأن المعنيين بتلك الحملة لا يلاحظون حجم العنف الكلامي والمعنوي والترهيب المتصاعد الذي يأتي عبر تلك الشاشات في كل نشرة أخبار، ليقض مضاجع اللبنانيين في بلدهم وفي المهجر أيضاً. الفارق بين الأمرين من الناحية التلفزيونية، هو أن التلفزيونات على الأرجح، لا تبث إعلان مناهضة العنف الأسري إلا في مقابل مبالغ طائلة، بينما تتكبد تلك التلفزيونات مبالغ في تجييش مندوبيها ومراسليها لاستنطاق المسؤولين ليمارسوا على الناس عنفهم الكلامي وتصريحاتهم الخطيرة، فيهرّبون الناس مجاناً. وبدل أن تساهم وسائل الإعلام في مساعدة المجتمع المدني ليحصل على حقوقه الكثيرة العالقة في أدراج البرلمان مشاريع قوانين، من خلال الضغط على المسؤولين ومساءلتهم على تقصيرهم في أداء واجب انتخبوا لأدائه، تجدها تنساق وراء المواقف النارية والفقاقيع الإعلامية باعتبارها أكثر جذباً للمشاهدين، بينما إقرار القوانين التي توفر للمشاهدين أنفسهم بصفتهم مواطنين، عيشاً كريماً فلا مكان له، ولو للحظات على الشاشات إلا حين يريد المسؤول أن يكيد خصمه، علماً أن كلاهما يكيدان اللبنانيين كيداً ويكاد يكون التلفزيون شريكاً في مرحلتي التأجيج والمعارك ثم يصبح بعد توافق الخصوم مذنباً على لسان المسؤولين أنفسهم... فهل هذا ما يريده الإعلام؟