قبل عقد مؤتمر أوسلو أعلن قادة اسرائيل أن الطريق الى السلام هو المفاوضات المباشرة. كان هذا في عهد الحرب الباردة في الثمانينات عندما كان هناك توازن قوى، لكن قادة اسرائيل آنذاك مثل شامير وبيريز وضعوا العراقيل في وجه عقد مؤتمر دولي للسلام واستطاعوا ان ينالوا تأييد الإدارة الأميركية، وبقي الحال على ما هو عليه حتى انطلقت سفينة الحوار من أجل السلام من أوسلو في أوائل التسعينات من القرن المنصرم برعاية أميركية مئة في المئة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق! واليوم وبعد مرور وقت طويل على القاطرة التي انطلقت من أوسلو وما تبعها من مبادرات ومنها مدريد وخريطة الطريق واللجنة الرباعية والمفاوضات غير المباشرة والمباشرة التي بدأت حديثاً نجد أن النتيجة (صفر) فعلى رغم بلوغ انطلاق المفاوضات سن الرشد (أكثر من 18 سنة) الا انها معاقة من أصحاب الاحتياجات الخاصة وستبقى كذلك ما دامت ماما اميركا تعتبر اسرائيل الولاية الواحدة والخمسين وتؤيد في شكل صارخ الممارسات الاستعمارية الاستيطانية التي تقوم بها في الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمها القدس الشريف. ومن يقرأ تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي منذ نشأة اسرائيل على ارض العرب عام 1948 مروراً بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وحربها على العرب عام 1967 ثم حروبها على لبنان عام 1982، 1996، 2006، ومجزرة غزة عام 2008، وقبلها مجازر صبرا وشاتيلا وجنين وقانا وجرائمها ضد القدس الشريف والمستوطنات التي حولت ارض فلسطينوالقدس الى كانتونات يدرك ان السلام مجرد سراب يحسبه الظمآن ماء فإذا جاءه لم يجده شيئاً. هذه هي حال السلام مع كيان عنصري ارهابي استيطاني يرفض السلام والصلح ويخاطبه العالم بصوت رخو يكاد يكون غزلاً، فها هي اللجنة الرباعية تناشد اسرائيل تجميد الاستيطان توسلاً وتضرعاً وقد جاءها الرد بالصوت العالي من نتانياهو وزمرته (لا) ثم (لا) كما فشلت رحلة الموفد الاميركي ميتشل فشلاً ذريعاً، بل ان الادارة الأميركية أعلنت خيبة أملها قبل مغادرته الى الشرق الأوسط، بينما الجانب العربي يؤكد انه لا بد من تجميد عملية الاستيطان في الضفة الغربية شرطاً لمسيرة السلام. ومن الواضح ان هذا لن يحدث بل ان العنصري وزير الخارجية ليبرمان يذهب الى ابعد من ذلك فطالب حكومته بترحيل الفلسطينيين المقيمين في اسرائيل الى الأراضي الفلسطينية، وهم أصحاب الأرض الأصليون، معلناً ان دولته يجب ان تكون يهودية، بينما يطالب رئيسه العنصري السلطة الفلسطينية بضرورة اعترافها بيهودية اسرائيل. بيت القصيد والذي يجب ان يفهمه العرب ان الدولة العبرية ترفض السلام شكلاً وموضوعاً، فقد أكدت بادئ الأمر ان طريق السلام هو اعتراف السلطة الفلسطينية بوجودها وحصدت ما أرادت وعلى مدى حوالى العقدين لم يحدث سلام ولا من يحزنون، واليوم عاد العرب إلى المربع الأول إلى نقطة الصفر، ليطلب نتانياهو الاعتراف بيهودية دولته العنصرية، ولن تنتهي مطالبات اسرائيل العربَ بتقديم التنازلات الواحد تلو الآخر، هذا لأن القوة هي التي تفرض السلام واسرائيل تملكها وتملك دعم الادارات الأميركية المتعاقبة، وقد أجهضت الولاياتالمتحدة بالفيتو اللعين كل قرارات مجلس الأمن الذي تسيطر عليه والتي تدعو اسرائيل الى الانسحاب من أراضي العرب المحتلة وفي مقدمها القدس، ومن تلك القرارات القرار الشهير رقم 242 الصادر بتاريخ 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1967 والقرارات الكثيرة التي جاءت بعد حرب 1967 وفي مقدمها القرار 252 الصادر بتاريخ 21 ايار (مايو) 1968 في شأن القدس. المهم ان منذ صدور تلك القرارات وغيرها أصبح مكانها (مزبلة) التاريخ فلم يتغير شيء على أرض الواقع، فالاحتلال الذي ترتب على العدوان بقي كما هو بسبب الصلف الإسرائيلي والدعم الأميركي وعدم التفات الدولتين الى قرارات مجلس الأمن والأممالمتحدة والرأي العام العالمي بل والاستهانة بالمجتمع الدولي بضم القدس الشريف ومرتفعات الجولان الى السيادة الإسرائيلية، بل ان الوضع أصبح اليوم أسوأ بكثير بالنسبة الى العرب وأرضهم مما كان عليه في عام 1948 فإسرائيل ابتلعت ارض فلسطين وحولتها الى كانتونات وأقامت الجدار العازل ليقطع أوصال الأراضي الفلسطينية. واذا كان السيد اوباما بنياته الحسنة التي أعلنها سابقاً في خطابه الشهير من جامعة القاهرة واعلانه أخيراً من على منبر الأممالمتحدة أنه يريد صنع سلام واقامة دولة فلسطينية خلال عام، فإن الرجل يكرر ما قاله سلفه بوش الابن الذي أعلن على الملأ ان إقامة الدولة الفلسطينية والسلام قادمان في عهده، ورحل الرجل عن البيت الأبيض غير مأسوف عليه وبقيت كلماته لا تسمن ولا تغني من جوع لكن بعض العرب يومها صدقوه وصفقوا له وبحّت حناجرهم بالثناء عليه وهكذا صدقوا من لا يصدق، وأظنهم لو جاءهم مسيلمة لصدقوه، وما سرعة تصديقهم كلَّ ناعق الا هروب من مواجهة الحقيقة وخداع لأنفسهم. اليوم بتكرار المشهد في عهد السيد اوباما والسيدة كلينتون سيبقى المسرح مفتوحاً على مصراعيه، والعرب يبنون أمانيهم على هذا الرئيس ثم ذاك وعلى هذا الحزب ثم الآخر في الولاياتالمتحدة كما كانوا ولا يزالون ينشدون السلام في عهد حزب العمل الإسرائيلي والليكود حتى اليوم، وعلى العرب ان يدركوا قبل فوات الأوان ان أميركا مع اسرائيل قلباً وقالباً وان استبدال رئيس برئيس لن يغير من الأمر شيئاً، فالقرار في أميركا ليس قرار الرئيس وحده، فالرؤساء في أميركا مؤيدون لإسرائيل على طول الخط وضد المصالح العربية على طول الخط، فإن لم يكن بهواهم ورغبتهم فبالضغط الذي يتعرضون له وخوفاً على مستقبلهم السياسي. وهكذا فإن قادة اسرائيل وقادة الولاياتالمتحدة هم وجهان لعملة واحدة أهدافهم متطابقة ووسائلهم للوصول الى تلك الأهداف متشابهة واذا لم يدرك العرب هذه الحقائق فعلى فلسطين السلام. ان هذا الظلم مصدره الحقيقي قوة اسرائيل المدعومة أميركياً سياسياً وعسكرياً ومن الدعم العسكري التي قدمته أميركا لإسرائيل أخيراً طائرات «أف 35» ودرع صاروخية (حديدية) ناهيك عن رؤوس نووية تمتلكها اسرائيل زادت عن 200 رأس نووي لتصبح متقدمة على بريطانيا العظمى في القوة النووية، مدعومة بترسانة بيولوجية وكيماوية وأسلحة تقليدية متطورة جدا تفوق ما تملكه دولنا العربية من أسلحة تقليدية. هذه القوة الاسرائيلية الضاربة هي التي فعلت فعلتها لتجعل اسرائيل تغض الطرف عن السلام، فكيف لدولة تملك القوة ان تفاوض من هو اضعف منها بكثير لتقدم له ما يريد فهي ترى انها هي التي تملك قرار السلام وقرار الحرب. ان العرب أعلنوا في ما سلف من الزمن ان ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، وهم انفسهم الذين أصدروا لاءاتهم الشهيرة في مؤتمر الخرطوم عام 1967، وهم الذين صرخوا بقذف اسرائيل في البحر، وقال بعضهم «اللي مش عاجبه يشرب من البحر»، وهم الذين يتسولون السلام من اسرائيل اليوم. ان كل هذا الانكسار المعنوي انما مصدره الشعور بالضعف وقلة الحيلة، وسبب ذلك كله عدم امتلاك سلاح القوة ولذلك على العرب ان يدركوا ان (القوة) هي التي تفرض السلام وعلى الجانب الآخر والأكثر مرارة ان القادة الفلسطينيين ل «حماس» و «فتح» يتصارعون على سلطة وهمية فركب احدهم قطاراً اتجه به الى الشمال والآخر امتطى قطاراً وجهته الى الجنوب، وفي وسط تفكك القادة الفلسطينيين والعرب وتشرذمهم وتمزقهم وضعفهم فإنهم لن ينالوا سلاماً ولا عدلاً، فهم يحرثون في البحر ويحصدون السراب. * رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية [email protected]