يبدو أن الصين أخذت عبرة مما أقدم عليه فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي السابق، بجورجيا، في 2008. فالحرب على جورجيا كانت رسالة الى الولاياتالمتحدة والغرب مفادها أن الدول السوفياتية السابقة، ودول آسيا الوسطى لم تعد مشرعة الأبواب، وإنما هي منطقة نفوذ موسكو. واليوم، تبلغ الصين اليابان وبقية آسيا أن جزر أياويو في بحر شرق بحر الصين، أو جزر سانكاكو، على ما تسميها طوكيو، هي من اقاليمها. وشأن روسيا، أظهرت بكين استعدادها لأسوأ الاحتمالات، ومنها الحرب القصيرة وتعويق الصناعة اليابانية لبسط سيادتها على هذه الجزر واستخراج احتياط النفط والغاز الضخم منها. وإثر الحادثة الأخيرة، لا يسع اليابان مواصلة زعم السيادة على جزر سانكاكو إذا أرادت الاستمرار في تصنيع تويوتا سيارة «بريوس» الصديقة للبيئة. فتصنيع محرك «بريوس» يفترض تزويده بكلغ من مادة النيوديميوم. والبطارية الواحدة تحتاج الى ما بين 10 و15 كلغ من اللانتانوم. وتحتكر الصين 90 في المئة من انتاج النيوديميوم، وهي مادة صناعية اساسية. والصين ليست روسيا، وجورجيا ليست اليابان. فالصين تتحدى ثالث أكبر اقتصاد في العالم. واليوم، يلتقي الرئيس باراك أوباما مع 10 دول مجتمعة في منظمة جنوب شرقي آسيا. والداعي الى اللقاء هو القلق المشترك من الحادثة الصينية – اليابانية الأخيرة. وأغلب الظن أن يدين بيان اللقاء الصين، ويشجب اعتداءها على اليابان. ولكن واشنطن تواجه وضعاً مشابهاً اختبرته في حرب جورجيا. فإثبات وجهة نظرتها وترجيح كفتها هما رهن استعدادها للجوء الى القوة وشن حرب، ولو قصيرة. ولكن هل دول «آسيان» مستعدة لخوض الحرب؟ وروسيا لجأت الى الحيلة في الحرب على جورجيا. فهي اشعلت حرباً استفزازية، وجنت مكاسب من احجام اميركا عن المشاركة في الحرب. ولاحظ رجل أعمال في مجال النفط أن بروز الصين لن يشبه بروز اليابان السلمي، في 1980. فاليابان كانت قوة تجارية من غير طموح توسعي امبريالي. وليست هذه حال الصين التي تكاد لا تتستر على نواياها التوسعية. ونبّهت صحيفة «فايننشل تايمز» الى أن الحادثة الأخيرة لم تكن ثمرة نزوة القادة الصينيين فحسب. ووراء الحادثة هذه مجموعة نافذة في نظام الدولة – الحزب. وثمة مجموعة من رجال الأعمال الصينيين النافذين تحاول التأثير في سياسة بلادهم الخارجية. فموجة الاستثمارات في المواد الأولوية الأجنبية، في العقد الماضي، غيّرت وجه الشركات الحكومية الكبيرة. وزادت نفوذها في السياسة الخارجية. وتدعو الشركات، ومديروها، الى انتهاج سياسة خارجية مستقلة. فيوم زار الرئيس الأميركي الصين، العام الماضي، قصد تشو يونغكانغ، وهو من أبرز المسؤولين الصينيين ومدير شركة «بتروشاينا» السابق، على رأس وفد صيني، السودان للاطلاع على الاستثمارات النفطية الصينية والاجتماع بعمر البشير، الرئيس السوداني، بحسب «فايننشل تايمز». وترى الباحثة ليندا جاكوبسون من معهد استوكهولم للسلام أن ثمة لاعبين صينيين جدداً يدعون بكين الى اثبات مكانتها في العالم. والنزاع الصيني مع اليابان على قارب صيد واحد وثيق الصلة بقضية السيادة على الأرض. وهذا خط احمر صيني. وفي 2008، اعلنت روسيا ان في وسعها المحافظة على علاقات جيدة مع الغرب، ما لم يسرح احد ويمرح في فنائها الخلفي. وهذا ما تريد الصين اعلانه اليوم. وهو مصدر توتر جديد بين بكين والغرب. *صحافي، عن موقع «فورين بوليسي» الأميركي، 24/9/2010، اعداد منال نحاس