يجد كثير من الشعراء والرسامين والمخرجين السوريين في برلين واحة من الحرية والأمن بعيداً عن العنف اليومي والرقابة الصارمة في بلدهم. وتقول المصورة والصحافية الفلسطينية السورية ضحى حسن: "هنا نشعر أننا في دمشق"، فهي تجد في برلين الجو الفني الذي كانت تعيش فيه أثناء إقامتها في دمشق، قبل أن تغادرها في العام 2012. ويقول المخرج والممثل زياد عدوان المقيم في ألمانيا منذ عامين، بعدما خرج من السجن: "عدد من الطلاب الذين درستهم في معهد التمثيل في دمشق يعيشون حالياً في منازل مخصصة لطالبي اللجوء". ومنذ اندلاع الأحداث في سورية العام 2011، لجأ 600 ألف من مواطني هذا البلد إلى المانيا، وهم يحاولون أن يبنوا حياتهم هناك، ومن بينهم فنانون وكتاب مر البعض منهم ببيروت، ومنهم من استفاد من منح من مؤسسات المانية. ويقول الكاتب الألماني ماريو مونستر "يقال إن الثقافة السورية أصبحت اليوم خارج سوريا، برلين واحدة من المدن التي تستقبل جزءاً كبيراً من هذه الثقافة". ويعمل زياد عدوان والفنان محمد ابو لبن وآخرون على إطلاق مجلة "سيريوس لوك" التي تعنى بالثقافة السورية في المنفى، تخاطب الفنانين السوريين والفنانين الألمان الراغبين في التعرف إليهم على حد سواء. وما زالت برلين تشكل حاضرة جاذبة للفنون من كل العالم منذ سقوط جدار برلين في 1989، ولذا لا تشكل ظاهرة نمو الثقافة السورية فيها استثناء. يقول ماريو مونستر إن برلين صارت "ملتقى للإبداع العالمي مع مجتمع ليبرالي منفتح"، في الوقت الذي صارت فيه باريس وبيروت المعروفة تاريخياً بأنها ملجأ الفنانين والمثقفين العرب "أكثر محافظة". وبحسب زياد عدوان الذي درس في لندن: "برلين مدينة مهمة جداً من حيث المساحات المتوافرة، وهي أيضاً مدينة الفوضوية وموسيقى الروك". وظاهرة الفنانين السوريين في برلين آخذة بالاتساع، وهي بدأت مع حفنة منهم جذبت الآخرين، ليتداولوا معاً في مأساتهم المشتركة، وأيضاً في مشاريعهم المشتركة. وأطلقت منظمة "أكشن فور هوب" غير الحكومية نشاطاً من ثلاثة أيام للقاء والتعارف بين الموسيقيين والكتاب والسينمائيين السوريين في محطة توليد الكهرباء القديمة في برلين، والتي تحولت إلى مساحة للإبداع الفني. والهدف من هذا اللقاء هو جعل الفنانين يتعارفون بعضهم إلى بعض، وأيضاً تعريفهم إلى الآليات التي تحكم الاوساط الثقافية الألمانية. وتقول بسمة الحسيني، مؤسسة "أكشن فور هوب"، إن المانيا تضم "أعرق المؤسسات الثقافية المنظمة في العالم"، لكن "يصعب على الوافدين حديثاً إليها أن يعثروا على هذه المؤسسات". ويقدم على هذه المهمة أيضاً علي خلف المقيم في برلين منذ 16 عاماً، فهو مشارك في برنامج لدعم الفنانين المنفيين أطلقه معهد "فيسنسي" للفنون الجميلة، أحد اشهر المعاهد الفنية الألمانية. ومن نتائج هذه المشروع أن 20 شابا لاجئاً سيتمكنون من متابعة دراستهم التي انقطعت بسبب الهجرة. ويقول: "نحاول أن نساعدهم على الحصول على مكان في معاهد الفنون الجميلة في ألمانيا". وإذا كان المنفى يسبب معاناة للكثيرين، إلا أنه في المقابل يعطي الكتاب والفنانين مجالاً من الحرية لم يكن متاحاً لهم في بلدهم. وتقول رشا عباس وهي كاتبة استفادت من منحة من مؤسسة شتوتغارت، إن المنفى كان له تأثير كبير على شخصيتها. وتضيف "قد يبدو ذلك غريباً، لكن منذ أن جئت إلى هنا تغيرت كتابتي، وأصبحت مشحونة بروح النكتة، قبل ذلك كنت أكتب نصوصاً سوداء كئيبة". وفيما لا تغيب دمشق عن ذهن كثير من الفنانين المقيمين في برلين، يجد البعض أن هناك ما يجمع المدينتين، ويقول مونستر: "دمشق اليوم تشبه ما كانت عليه برلين في العام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية". ويضيف: "لا اأحد يمكن أن يتصور حالياً أن تصبح دمشق عاصمة ثقافية بعد 50 عاماً، لكن لا أحد كان يتصور أيضاً ذلك عن برلين في العام 1945".