أعلن وزير الدفاع الفرنسي ايرفيه موران أمس أن باريس تأمل «في التمكن من الاتصال بالقاعدة»، في خطوة تبدو الأولى نحو فتح الباب أمام التفاوض مع خاطفي سبعة أشخاص بينهم خمسة فرنسيين في النيجر. وجاء ذلك في وقت شجب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد موسوي في شدة التهديدات «الإرهابية» التي تستهدف فرنسا خصوصاً عندما تُطلق من قبل أطراف «تدّعي أنها مسلمة». وصدر موقف موسوي في أعقاب غداء أقامه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وحضره 11 من أعضاء المجلس الإسلامي بينهم نائب رئيسه حفيظ شمس الدين وعمداء مسجد باريس دليل أبو بكر وليون كامل قطان وايفري خليل ميرون ووزير الداخلية بريس هورتفو المكلّف أيضاً شؤون الأديان. وعُلم أن هذا اللقاء كان مبرمجاً منذ مدة وأن انعقاده الآن في ظل تطورات قضية خطف الفرنسيين الخمسة في النيجر والتهديدات التي أطلقها تنظيم «القاعدة» كان «مجرد صدفة». وعبّر موسوي عن شكر المجلس لساركوزي على هذا اللقاء، قائلاً إنه تناول القضايا المتعلقة بالديانة المسلمة في فرنسا وهي قضايا تُشكّل موضوع حوار دائم مع السلطات. وقال إنه تم التوقف عند التقدم الذي أُحرز حول مواضيع عدة تهم مسلمي فرنسا وعند تطلعاتهم والحوادث المناهضة للإسلام والتي تُذكي الشعور عند المسلمين بأنهم مستهدفون. وأضاف أنه تم أيضاً تناول التهديدات التي تتربص بفرنسا وأن المجلس أعاد تأكيد «شجبه الحازم والمطلق لكل عمل يمكن أن يستهدف مواطنينا، خصوصاً عندما يتم من قبل أطراف تدّعي الإسلام». ولفت إلى أن مسلمي فرنسا يشعرون دائماً بالاستياء عندما «يوصف هؤلاء المجرمون والإرهابيون بالإسلاميين»، مؤكداً أن ساركوزي تفهّم ذلك مثلما تفهّم طلب مسلمي فرنسا حذف تعبير «الإسلاميين» لدى الحديث عن الإرهاب، مشدداً على أنهم يرفضون اشراك الإسلام في أعمال الإرهاب. ولفت موسوي إلى أن ساركوزي أثار في اللقاء الصعوبات التي يواجهها المسيحيون في بعض الدول المسلمة، مؤكداً حصول توافق على ضرورة ألا تكون الحرية الدينية موضع مساومة. ولفت إلى أن اللقاء تناول أيضاً قانون حظر النقاب الذي أُقر في الصيف ويبدأ تطبيقه في غضون ستة أشهر. ونقل عن ساركوزي تأكيده مجدداً أن هذا القانون لا يستهدف المسلمين وأن الإسلام في فرنسا ينبغي أن يُعامل مثله مثل أي دين آخر. وأضاف أن المجلس كان معارضاً لمبدأ اللجوء إلى القانون لحظر النقاب باعتباره ليس حلاً، و «لكن علينا كمواطنين مسؤولية أن ندرك أن زمن النقاش قد ولّى وأن القانون قد أُقر والمجلس يحترم المؤسسات الجمهورية ويدعو المواطنين المسلمين إلى احترام القانون». «القاعدة» على صعيد آخر (أ ف ب) صرح وزير الدفاع الفرنسي إلى إذاعة «آر تي أل» الخاصة: «في الوقت الراهن، نريد التمكن من الاتصال مع القاعدة ومعرفة المطالب» في شأن الفرنسيين الخمسة الذين خُطفوا مع مواطن من توغو وآخر من مدغشقر ويعمل معظمهم لشركتي «اريفا» و «ساتوم» (مجموعة فينسي) الفرنسيتين ليل 15 إلى 16 أيلول (سبتمبر) في أرليت، شمال النيجر. وقال الوزير موران إن «ما نريده هو أن يتمكن تنظيم القاعدة في وقت ما من عرض مطالبه على الأقل». وأضاف أن فرنسا لم «تحصل على أدلة تُثبت أنهم (الرهائن الخمسة) على قيد الحياة لكن لدينا من المؤشرات ما يدعو إلى الاعتقاد أنهم أحياء». وتبنى «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» الثلثاء عملية الخطف وحذّر فرنسا من مغبة القيام عملية عسكرية، مؤكداً انه سيقدم لاحقاً «مطالب مشروعة» الى فرنسا. وأعلنت فرنسا أنها تأكدت من صحة تبني التنظيم عملية خطف الرهائن الذين أصبحوا الآن في شمال مالي بمنطقة جبلية في الصحراء. واختلفت لهجة وزير الدفاع الفرنسي عن غيرها من السلطات الفرنسية سابقاً لا سيما أن رئيس الوزراء فرانسوا فيون تحدث نهاية تموز (يوليو) عن «حرب فعلية ضد القاعدة». وفي نهاية آب (أغسطس) انتقد الرئيس نيكولا ساركوزي ضمناً الإفراج عن رهينتين إسبانيين كان فرع «القاعدة» المغاربي يحتجزهما أيضاً في منطقة الساحل ويبدو انه افرج عنهما مقابل فدية. وقال حينها إنه «يجب ألا تقتصر الاستراتيجية عن دفع فديات والموافقة على اطلاق سراح معتقلين في مقابل الإفراج عن أبرياء». إلا أن فرنسا لم تكن دائماً تعارض مبدأ التفاوض، على الأقل في شكل غير مباشر. وأفرج تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عن الرهينة الفرنسي الذي خطف في مالي بيار كمات في نهاية شباط (فبراير) مقابل اطلاق سراح أربعة إسلاميين معتقلين في مالي. لكن التنظيم أعلن نهاية تموز (يوليو) إعدام الرهينة الفرنسي ميشال جرمانو رداً على غارة عسكرية فرنسية موريتانية قُتل خلالها سبعة «جهاديين». وقال التنظيم: «نحذر (الحكومة الفرنسية) من عواقب عملية حمقاء جديدة لأن مصيرها الفشل ولأنها ستدفع مقابلها ثمناً باهظاً». وليس مرجحاً في الوقت الراهن تنفيذ عملية عسكرية تعتبر معقدة في منطقة جبلية صعبة المسالك تقيم فيها فصائل محلية ترفض دائماً الخضوع لأي سلطة وتساند تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ورداً على سؤال حول ما إذا كانت فرنسا ستتدخل عسكرياً للإفراج عن الرهائن قال وزير الداخلية الفرنسي بريس اورتفو: «لا، ليس في هذه المرحلة». وكثرت مآخذ الإسلاميين المتطرفين على باريس إثر المصادقة في 14 أيلول (سبتمبر) على قانون يحظر النقاب الإسلامي في الأماكن العامة، وانتشار القوات الفرنسية في أفغانستان والهجوم الفرنسي - الموريتاني على أحد معسكرات القاعدة في الساحل. كذلك خُطف ثلاثة بحارة فرنسيين ليل الثلثاء - الأربعاء قبالة نيجيريا المجاورة للنيجر في عملية وصفها موران بأنها «عملية قرصنة عادية». واستبعدت السلطات الفرنسية أن تكون من عمل تنظيم «القاعدة».