على غير عادته، أطل أمس مؤسس «التيار الوطني الحر» رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» العماد ميشال عون على اللبنانيين بخطاب سياسي تصالحي في العموميات خلال إحياء تياره الذكرى السادسة والعشرين لإطاحته من القصر الجمهوري في بعبدا في 13 تشرين الأول (أكتوبر) 1990، تجنب فيه الدخول في اشتباك سياسي مع أي من الأطراف المحليين من دون استثناء، وكذلك تحديد موقفه من نقاط الاختلاف. وبدا كأنه يقدم «أوراق اعتماده» مرشحاً لرئاسة الجمهورية في وجه منافسه زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، وينتظر الخبر اليقين من زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري في حسم خياره السياسي في اتجاه دعم ترشحه للرئاسة. وحرص عون في خطابه المتلفز المباشر الذي وجهه من دارته في الرابية (المتن الشمالي) إلى مناصريه الذين احتشدوا بالألوف على الطريق المؤدي إلى القصر الجمهوري في بعبدا، على أن تكون الذكرى بمثابة اختبار لما ستكون عليه مواقفه في حال انتخابه رئيساً للجمهورية، مع أن أكثر من مسؤول في «التيار الوطني» وفي «تكتل التغيير» تعاملوا معها وكأن وصوله إلى بعبدا بات محتوماً، وهذا ما لفت إليه رئيس «التيار» وزير الخارجية جبران باسيل في مخاطبته عون بقوله: «إذا صعدت إلى فوق سنخسرك كرئيس لنا لأنك ستصبح أباً لكل اللبنانيين وسترفض التفاهمات الثنائية والثلاثية والرباعية، وستصبح أيضاً ضمانة لكل اللبنانيين». وانسحب خطاب عون التصالحي، ومن قبله خطاب باسيل، على المواقف التي أدلى بها عدد من النواب الأعضاء في «تكتل التغيير» الذين بدوا كأنهم يقرأون في كتاب واحد فيه الكثير مما سيورده «الجنرال» في خطاب القسم في حال انتخب رئيساً، لا سيما أن ما قاله اعتبره مراقبون خريطة الطريق للرئيس الموعود. وتوجه عون في خطابه إلى الشهداء الذين سقطوا خلال إطاحته في عملية لقوة مشتركة من الجيش السوري ونواة الجيش اللبناني بقيادة العماد إميل لحود آنذاك، وقال: «حلمهم هو دولة المؤسسات والقانون والاقتصاد المزدهر، وهي أحلامكم أنتم، وعهدنا لن نتوقف قبل تحقيق هذه الأحلام». وشدد عون على المشاركة المضمونة والمتوازنة لكل الطوائف من دون كيدية أو عزل أو قهر. وقال إن «بناء الوطن يكون بوضع حد للمحسوبيات والاستزلام واحترام الكفاءات في الاختيار وعودة معايير الولاء للدولة دون سواها». لذلك، حرص عون - كما يقول مراقبون - على أن يقدم نفسه للبنانيين على أنه عون آخر غير الذي كان في صراع سياسي بلغ ذروته مع «المستقبل»، وإن كان مر بفترات من المهادنة قبل أن يقرر فتح صفحة جديدة معه في ضوء استعداد الحريري لإمكان حسم خياره في اتجاه دعم ترشحه للرئاسة. لكن الرئيس الموعود - كما بدا أمس في عيون محازبيه - لن يخرج من دائرة القلق مع اقتراب انعقاد الجلسة السادسة والأربعين لانتخاب رئيس جمهورية للبنان في 31 الجاري، سيشارك فيها شخصياً منافسه النائب فرنجية، وقد تضطره إلى مقاطعتها خوفاً من أن يقع ضحية لعبة من «تحت الطاولة» تؤدي إلى انتخاب فرنجية، أو على الأقل إلى تعذر انعقاد الجلسة، ما سيفتح الباب أمام احتمال إعادة خلط الأوراق التي ستبقي الجلسات مفتوحة على كل الاحتمالات.