لن يفوت رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون مناسبة حلول الذكرى الحادية عشرة لانطلاقة «ثورة الأرز» في 14 آذار (مارس) 2005، من دون أن يطل على جمهوره ومحازبيه بموقف يغلب عليه الهم الرئاسي في ظل التقدم الذي يسجله منافسه زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية في مقابل تراجع حظوظه، نظراً إلى انقسام حلفائه في «8 آذار» بين مؤيد لترشحه لرئاسة الجمهورية وآخر داعم لفرنجية. وتوقعت مصادر سياسية أن يكاشف عون جمهور «التيار الوطني الحر» في خطابه الذي يلقيه بعد غد الإثنين، شارحاً له معاناته مع بعض القوى السياسية التي يرى أنها تمعن في الإخلال بالميثاقية، انطلاقاً من أن هذه القوى تدير ظهرها لزعيم أكبر كتلة نيابية مسيحية يتمتع بتأييد واسع في الشارع المسيحي، خصوصاً بعد قرار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع تأييد ترشحه للرئاسة، الذي أتاح له، من وجهة نظره واستناداً إلى استطلاعات الرأي التي أجرتها إحدى المؤسسات، الحصول على دعم 86 في المئة من المسيحيين لخوضه المعركة الرئاسية. ولم تستبعد المصادر أن يلجأ عون، في محاولته لاستنهاض الشارع المسيحي المؤيد له، إلى دغدغة مشاعر جمهوره، من زاوية أن الطوائف الأخرى تمتلك حق تسمية من يمثلها، سواء في رئاسة المجلس النيابي أو في رئاسة الحكومة، في مقابل إحجام القوى في المقلب السياسي الآخر عن معاملته بالمثل. لكن إصرار عون على التركيز على الإخلال بالميثاقية وعدم تطبيقها على الأقوى في الشارع المسيحي -كما تقول المصادر- قد لا يأتي لمصلحته هذه المرة، لأن ما يطالب به لنفسه كان أول من رفضه لغيره. تجربة حكومة الحريري وفي هذا السياق، تسأل المصادر عينها: ألم يخل عون بالميثاقية في حملاته الإعلامية والسياسية ضد زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري قبل أن يتحاور معه، عندما قال في أكثر من مناسبة إنه سيقطع له تذكرة سفر ذهاباً بلا عودة إلى لبنان، من دون أن يدرك أنه بطلبه هذا يرفع من وتيرة الاحتقان الطائفي والمذهبي في البلد؟ كما تسأل المصادر هذه عون عن الأسباب التي أملت عليه أن يستضيف الوزراء المنتمين إلى «8 آذار» في منزله في الرابية ويعلن في حينه الوزير جبران باسيل بالنيابة عنهم استقالتهم الجماعية من الحكومة، بذريعة رفض رئيسها سعد الحريري إحالة «شهود الزور» في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري على المجلس العدلي، مع أن مثل هذا الطلب سرعان ما سحب من التداول فور تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة؟ وتضيف أن عون شكل من خلال تكتله النيابي رأس حربة كان وراء إطاحة حكومة الحريري، ومن ثم منعه من العودة إلى رئاستها ثانية لمصلحة تسمية ميقاتي لتشكيل الحكومة، وهو بذلك خاض معركة إبعاد الحريري بالنيابة عن حليفه «حزب الله» وسمح لنفسه بتقديمه على أنه لعب الدور الأبرز للانقلاب على رئيس أكبر كتلة نيابية، إضافة إلى تمثيله الواسع لأهل السنّة في لبنان. وتتابع المصادر أن عون تزعم شخصياً الحملات على الفساد وهدر المال العام، مع أن تجربة بعض وزرائه في الحكومات لم تكن مشجعة، سواء في وزارة الاتصالات أو في وزارة الطاقة. وتؤكد أن عون، من خلال مواقفه هذه ضد «المستقبل»، هو من انقلب على الميثاقية التي يعود إلى استحضارها اليوم، وكأنها استنسابية ولا يمكن تطبيقها ما لم تكن على قياسه. وتقول إن من خرقها في أكثر من محطة سياسية لن يكون في وسعه استخدامها في معركته الرئاسية بذريعة أنه الأقوى والأكثر تمثيلاً في الشارع المسيحي، علماً أن مشاركة نواب «المستقبل» في جلسة انتخاب الرئيس تضفي الميثاقية على الجلسة وتنسحب على عون إذا انتُخب رئيساً حتى لو لم يصوتوا له. المرشح القوي وتلفت إلى أن المرشح القوي لرئاسة الجمهورية هو الذي يتمتع بالقدرة السياسية التي تمكّنه من أن يكون الجامع بين اللبنانيين، وهذا ما يفتقد إليه عون، الذي لم يتصرف حتى الساعة على مسافة واحدة من الجميع، ويصر في المقابل على أن يبقى لصيقاً إلى جانب حليفه «حزب الله»، إضافة إلى بعض مواقفه، وأبرزها اتهامه رئيس الحكومة تمام سلام ب «الداعشية» وسوقه مثل هذا الاتهام إلى «المستقبل». وتسأل المصادر: «مع من يتعايش عون طالما أنه يوجه سهامه ضد الاعتدال في الشارع السنّي؟ وهل اضطر إلى سحب اتهاماته هذه من التداول اعتقاداً منه أن هناك ضرورة لتسويق نفسه رئيساً لدى الذين كال اليهم كل هذه الاتهامات؟». وتؤكد أن القوى السياسية الداعمة ترشح فرنجية لم تتخذ قرارها في هذا الخصوص إلا في ضوء ما خلصت إليه في مقارنتها بين زعيم «المردة» وعون، الذي قد يؤدي الخلاف معه إلى كسر الجرة وانقطاع التواصل، بينما لدى فرنجية القدرة على الأخذ والرد من دون أن يقفل الباب كلياً في وجه من يخالفه الرأي أو الموقف، إضافة إلى موقفها من الوزير باسيل ومآخذها عليه والتعامل معه على أنه عبء على عون في حال وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى، هذا إن لم يتصرف على أنه سيكون «رئيس الظل» في اتخاذ القرارات المصيرية. ومع أن المصادر هذه تستبعد احتمال لجوء عون إلى مواقف تصعيدية في توجهه إلى جمهوره ومحازبيه من شأنها أن «تصدم» الوسط السياسي بدلاً من أن «يدوزن» مواقفه تحت سقف التصعيد الذي يمكن ضبطه أو استيعابه، فإن مصادر أخرى تسأل: ما الجدوى من ذهاب عون في تصعيده إلى حدود تهويله باستقالة النواب أعضاء «تكتل التغيير» من البرلمان، أو في إصراره على أن تعطى الأولوية لانتخاب برلمان جديد يتولى انتخاب الرئيس العتيد؟ قلب الطاولة ومحاذيره وتعتبر المصادر أن لا شيء يمنع عون من أن يقلب الطاولة إذا ما ارتأى الاستقالة من البرلمان، لكنه سيجد نفسه محشوراً أمام عدم صرف قراره في مكان يؤمن له الدفع المطلوب ليتقدم على منافسه فرنجية. وتعزو السبب إلى أن إعطاء الأولوية لانتخاب برلمان جديد على انتخاب الرئيس يشكل مخالفة للدستور الذي ينص على أن البرلمان في حال شغور سدة الرئاسة يبقى في انعقاد دائم إلى حين إنهاء هذا الشغور. كما أن تلويح عون بالاستقالة من البرلمان أو بإعادة النظر في النظام السياسي الذي أنتجه اتفاق الطائف، وإن كان يتم التعامل معه من خصومه على أنه يستخدم الخطاب الشعبوي، لن يصرف في المعادلة السياسية لجهة قلب ميزان القوى في البرلمان، مع أن الاستقالة هذه لن تؤدي إلى حل المجلس النيابي طالما أنها لن تصل في حال انضمام آخرين إليه إلى نصف عدد النواب زائد واحداً. لذلك تستبعد المصادر، على اختلاف انتماءاتها، إقدام عون على اتخاذ خطوات «شعبوية»، لأنه سيجد نفسه وحيداً في الساحة، إلا إذا تضامن معه حزب «القوات» و «حزب الله»، على رغم أن مثل هذا الاحتمال غير وارد، على الأقل من قبل سمير جعجع الداعم ترشيحه للرئاسة من دون أن يكون ملزماً بالوقوف وراءه مؤيداً قرارات غير قابلة للتنفيذ. وترى أن عون سيذهب في خطابه بعد غد الإثنين إلى أقصى حدود التصعيد السياسي، لكنها لا تسمح لنفسها بأن تنوب عنه في كل ما سيقوله في مواجهته منافسه فرنجية، على رغم أن نجل الأخير طوني يتواصل من حين إلى آخر مع النائب في «تكتل التغيير» ألان عون والقيادي في «التيار الوطني الحر» العميد المتقاعد شامل روكز. وتعتقد أن هناك حاجة لمثل هذا التواصل، وإن كان أصحاب «النيات السيئة» يصنفونه في خانة «زكزكة» باسيل، بينما الهدف منه يكمن في الإبقاء على حد أدنى من الجسور قائمة مع الاختلاف حول الملف الرئاسي. وعليه، تتوقع المصادر أن يصعد عون في مواقفه السياسية لتأكيد مضيه في ترشحه لرئاسة الجمهورية وعدم استعداده للعزوف عن خوض المعركة، مع أن الدعوة السادسة والثلاثين للنواب لانتخاب الرئيس حملت في غياب النصاب لتأمين انعقادها، بدايةَ تحولٍ في الموقف النيابي لمصلحة فرنجية، وهذا ما لمح إليه الرئيس نبيه بري في قوله إن «الثمرة الرئاسية نضجت وحان قطافها بعد كل هذا التأخير». لذلك فإن ما ينقل عن بري لا يلقى ارتياحاً لدى عون الذي يخشى أن يكون بري في موقفه هذا على تناغم مع «حزب الله» وبالتالي سيبادر إلى حشر حلفائه في الزاوية لاختبار مدى صدقيتهم في ثبات دعمهم ترشحه. فهل سيلجأ إلى استخدام ما تبقى لديه من «سلاح ثقيل» بالمعنى السياسي؟ وفي حال فعلها ماذا سيكون موقف «حزب الله» وأيضاً «القوات»؟ وهل سيحرجهما؟ أم أن للأخير خصوصية تتيح له حرية الحركة حفاظاً على تواصله مع حلفائه ولو من موقع الاختلاف على الرئاسة؟ وماذا سيكون موقفهما في حال لمح إلى اعتماد الفيديرالية كحل من دون أن يسميها بذريعة أن «لنا الحق في البحث عن صيغة تؤمن حقوقنا وتحميها رداً على من يطيح الميثاقية ويرفض الاعتراف بنا».