يصر «حزب الله» على مراعاة رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون مكافأة لمواقفه منه خصوصاً إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز (يوليو) 2006، وهو سيحاول كما تعهدت قيادته، اقناعه بالانخراط في الحكومة العتيدة برئاسة زعيم الأكثرية في البرلمان سعد الحريري. وسيسعى الحزب لدى الأخير لتسويق توزير صهر عون وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، مع ان الرؤساء الثلاثة يميلون الى عدم توزير الراسبين في الانتخابات النيابية افساحاً في المجال أمام المجيء بوجوه جديدة من داخل «التيار الوطني الحر». وبصرف النظر عن التداعيات السياسية المترتبة على الإِصرار على توزير باسيل داخل «تكتل التغيير والإصلاح» أو خارجه، فإن العماد عون يتصرف على أن صهره سيكون أحد أبرز المرشحين لرئاسة «التيار الوطني»، ولا يأخذ حتى اشعار آخر كما يقول نواب في التكتل همساً بضرورة توسيع رقعة المشاركة عبر تطبيق مبدأ التداول في اختيار الوزراء لا سيما أن العماد عون شخصياً يدعو الى فصل النيابة عن الوزارة. فضلاً عن ذلك، لا يرى عون بحسب بعض النواب في التكتل، بدائل من باسيل في الوزارة على رغم أن هؤلاء النواب اقترحوا عليه إسناد حقيبة وزارية الى النائب الان عون أو الى نقيب المحامين السابق شكيب قرطباوي الذي كان عزف عن الترشح للانتخابات النيابية في دائرة بعبدا - المتن الجنوبي - على أمل بأن يكون أحد المرشحين عن «التيار الوطني» لعضوية الحكومة الجديدة. وفي هذا السياق علمت «الحياة» ان النائب سليمان فرنجية كان أول من نصح حليفه عون وفي حضور باسيل بعدم توزيره على خلفية انه خسر في الانتخابات النيابية، وبالتالي من الأفضل توفير الفرصة لسواه بتمثيل «التيار الوطني» في الحكومة، لكن «الجنرال» لم يأخذ بنصيحته، فيما صارحه باسيل بقوله إن عدم توزيره سيتسبب بإحباط في الصف المسيحي. وكان رد فعل فرنجية أنه لا يريد التدخل في الشؤون الداخلية ل «التيار الوطني» وأنه رغب في ابداء نصيحة غير ملزمة لحليفه عون، اضافة الى انه قرر البقاء على تواصل معه من دون أن يحضر شخصياً الاجتماعات الدورية لتكتل التغيير لما لديه من ملاحظات على ادارة الجلسات. وبكلام آخر، فإن فرنجية يحرص على تمتين علاقته بالعماد عون باعتباره حليفه وهو لهذا السبب يتجنب الاختلاف معه أو الانجرار الى سجال من دون أن يسحب ملاحظاته على ادارة الاجتماعات التي تقتصر في معظمها على مداخلة لعون يستبق فيها ما سيعلنه من مواقف للصحافيين. ويؤكد بعض النواب ان اجتماعات «تكتل التغيير» تفتقد الى الحيوية لانعدام مشاركة معظم النواب في النقاش، فيما لا يجد بعض طالبي الكلام في ظل الأجواء السائدة في الجلسات حوافز للإدلاء بوجهة نظرهم، وهذا ما يفتح الباب، بحسب النواب أنفسهم، للسؤال عن مدى صمود «تكتل التغيير» في وجه المتغيرات التي أخذت تلوح في الأفق في شأن احتمال حصول تبدّل في خريطة التحالفات السياسية تعززها الأحاديث عن استعداد بعض الأطراف لإعادة النظر في تموضعها السياسي، باتجاه تلاقي البعض في الأقلية مع البعض الآخر في الأكثرية في منتصف الطريق في ظل ما سيشاع من أن لبنان يقف حالياً على عتبة الانتقال الى مرحلة جديدة يمكن أن تشهد محاولات جدية لخلط الأوراق السياسية. ويؤكد بعض النواب في «تكتل التغيير» من غير المنتمين الى «التيار الوطني»، ان عون لا يزال قوياً في الشارع المسيحي، «لكن الفارق أخذ يضيق بينه وبين خصومه المسيحيين وهذا ما أظهرته الانتخابات الأخيرة التي سجلت تراجعاً لشعبية عون الذي حصلت لوائحه على تأييد نصف عدد الناخبين وربما أقل خلافاً لما حصدته في الانتخابات السابقة في عام 2005». ويضيف هؤلاء أن تراجع شعبية عون جاءت لمصلحة خصومه من المسيحيين في قوى 14 آذار وتحديداً «القوات اللبنانية» وأن هذا يدعوه الى اجراء قراءة دقيقة للتحول في الشارع المسيحي باعتبار ان التوجه العام للناخبين كان بمثابة انذار له يدعوه الى وضع خطة سياسية متكاملة لاسترداد ما فقده في الانتخابات من أرجحية جعلت منه في السابق الزعيم الأقوى من دون منازع. ويعتقد هذا البعض من النواب ممن يمتنعون عن البوح بمواقفهم أن الأوان آن ليستنبط العماد عون أفكاراً جديدة تمكنه من استرداد ما خسره في الانتخابات، خصوصاً أن لديه من الكفاءات المكبوتة ما يساعده على لملمة الوضع شرط أن تطلق لهؤلاء اليد في مصارحته بكل ما عندهم من مآخذ في محاولة لتصحيح الخلل الذي أظهرته نتائج الانتخابات مع أنه عاد الى البرلمان بكتلة كبيرة هي الثانية بعد تكتل «لبنان أولاً» برئاسة رئيس الحكومة المكلف الحريري. ويرى النواب أنفسهم أن على عون أن يبدي مرونة في الاستماع الى ملاحظاتهم وأن لا يتصرف وكأنها موجهة ضده خصوصاً أن لا حيثية سياسية لهؤلاء خارج «التيار الوطني»، وبالتالي ليسوا في وارد الدخول في منافسة معه أو مع الوزير باسيل الذي يحظى بموقع مميز داخل هذا التيار السياسي. لذلك فإن فرنجية أراد وعلى طريقته الخاصة أن يعبر عن موقفه بعدم حضور اجتماعات التكتل والاستعاضة عنها بالتواصل الدائم مع عون خصوصاً وأنه يستعد للانتقال قريباً الى منزله الجديد في الرابية ليكون جاره في الجغرافيا والسياسة في آن معاً. كما أن فرنجية الذي يحرص كما يُنقل عنه، على تحالفه مع عون، لن يفتعل مشكلة في توزير من يمثل «تيار المردة» في الحكومة، وسيترك له تحديد الحقيبة التي ستسند اليه. وقد لا يمانع في حال ارتأت عملية التشكيل استبعاده من الحكومة مع أن هذه المسألة غير واردة. وكان سمى واحداً من ثلاثة لتمثيله في الحكومة، هم: فيرا يمين، يوسف فينيانوس، يوسف سعادة. ومع ان انتقاله للإقامة في الرابية لن يشكل منافسة سياسية لعون، فإن فرنجية في المقابل سيستفيد من وجوده في المنطقة للبقاء على تواصل مع شخصيات مسيحية تربطه بها علاقة وطيدة وعلى رأسهم الوزيران السابقان فارس بويز وفريد هيكل الخازن والنائب السابق اميل اميل لحود وأحد المسؤولين في حزب «الوعد» جو الياس حبيقة. وبالنسبة الى احتمال ترتيب لقاء مباشر بين عون ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط علمت «الحياة» انه صرف النظر عنه في الوقت الحاضر بعدما تقرر تأجيل الإعداد له الى ما بعد تشكيل الحكومة. وعزت مصادر مواكبة للاتصالات التحضيرية للقاء، التي كانت جارية بين الوزيرين وائل أبو فاعور وجبران باسيل قبل أن يتقرر تجميدها ريثما تتوافر الظروف الملائمة لعقد اللقاء، السبب الى ان عون فضل أن يعقد اللقاء في دارة بلدية الكحالة (قضاء عاليه) أو في أحد الكنائس في الجبل على غرار الاجتماع الذي جمعه والأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله وانتهى الى اعلان ورقة تفاهم بينهما، بدلاً من أن يعقد في منزل صديقهما المشترك الدكتور نبيل طويلة. ولفتت المصادر ذاتها الى أن لا مشكلة لدى جنبلاط في عقد الاجتماع في أي مكان، وقالت أن تأخيره يعود الى ان عون اشترط وضع ورقة تفاهم تسبقه أسوة بما توصل اليه مع السيد نصر الله. وأضافت: «جنبلاط اقترح كبديل عن ورقة التفاهم إصدار بيان مشترك في نهاية الاجتماع باعتبار أن مثل هذه الورقة تحتاج الى تحضير وإعداد سياسي لكن عون أصر على موقفه وكأنه يريد توظيفه في اطار انه قادر على جذب الآخرين الى مواقفه ما يعطيه دفعاً في الشارع المسيحي يمكن أن يستغله البعض لضرب علاقة جنبلاط بحلفائه المسيحيين في 14 آذار». وعليه فإن الوضعية الراهنة ل «تكتل التغيير» لن تتأثر بأي ارتداد سياسي ينجم عن انقطاع فرنجية عن حضور اجتماعاته مع احتمال مبادرة النائب طلال ارسلان الى مجاراته في موقفه احتجاجاً على عدم توزيره، لكن امساكه بالوضع المسيحي يستدعي منه تقديم بعض «التنازلات» أبرزها توزيع الأدوار داخل التكتل وتغليب المشورة على التفرد في القرار.