أطلقت عودة رئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة من الرياض بعد اجتماعه مع زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري في حضور نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ومدير مكتب الحريري، نادر الحريري ورضوان السيد، جولة من المشاورات المكثفة بين مكونات قوى 14 آذار، خصوصاً الأحزاب والشخصيات المسيحية فيها لبلورة موقف موحد من انتخابات رئاسة الجمهورية بدءاً من دورتها الأولى التي ستعقد بدعوة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري. وعلمت «الحياة» من مصادر سياسية مواكبة للمحادثات التي شهدتها الرياض، أن المشاورات التي ستجرى داخل «14 آذار» ستؤدي إلى تحريك ملف انتخابات الرئاسة الأولى في الاتجاهات كافة، لأن من غير الجائز، مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال سليمان في 25 أيار (مايو) المقبل، أن تبقى الضبابية التي تحيط بالمعركة الرئاسية، سيدة الموقف وكأن كل فريق ينتظر من الآخر أن يبادر إلى كشف أوراقه الرئاسية. وأكدت المصادر نفسها أن الرئيس السنيورة سيتولى التشاور مع رئيس المجلس الأعلى لحزب «الكتائب» الرئيس أمين الجميل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والنواب: الوزير بطرس حرب ورئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية روبير غانم ورئيس حزب «الوطنيين الأحرار» دوري شمعون، إضافة إلى النواب المستقلين مروان حمادة وفؤاد السعد وأنطوان سعد. ولفتت إلى أن هذه المشاورات ضرورية في محاولة للتوصل، بين جميع القوى والشخصيات المنتمية إلى «14 آذار»، إلى إنتاج مرشح واحد لانتخابات الرئاسة يحظى بتأييد جميع الأطراف. وقالت إن المشاورات تنطلق من الحاجة الماسة إلى وضع «خريطة طريق» لتخوض «14 آذار» على أساسها انتخابات رئاسة الجمهورية تقوم على إمكان التفاهم على مرشح واحد من ضمن استراتيجية موحدة تقطع الطريق على احتمال تعريض وحدتها إلى اهتزاز يمكن أن يدفع إلى إعادة خلط الأوراق الانتخابية. خريطة التفاهم ورأت أن خريطة الطريق المطروحة للتفاهم على مرشح واحد للانتخابات الرئاسية، تأخذ في الاعتبار كل الاحتمالات التي يمكن أن تواجهها «14 آذار» لئلا تفاجأ بمعطيات جديدة ليست في الحسبان. وأوضحت المصادر عينها أن الحريري يرحب بأي مرشح من «14 آذار»، لكنه يتطلع إلى قرار موحد تجمع عليه القيادات والشخصيات المسيحية المنتمية إليها، وقالت إنه يبدي حرصه الشديد على وحدة الموقف وعدم التفريط به لما يترتب عليه من تداعيات سياسية لن تقتصر أضرارها على طرف دون الآخر. واعتبرت أن الهدف الأول من المشاورات المفتوحة التي ستبدأها «14 آذار» بدءاً من هذا الأسبوع يكمن في التفاهم على مرشح واحد يلقى كل الدعم من مكوناتها يقود حتماً إلى وضع استراتيجية موحدة، إضافة إلى أن ما يهم هذه القوى أن تتمكن من إيصال مرشحها إلى سدة الرئاسة الأولى. ولاحظت هذه المصادر أن جعجع هو المرشح الوحيد من «14 آذار» الذي أعلن ترشحه لخوض الانتخابات، وقالت إن قول المرشحين الآخرين أن لا حاجة للترشح منذ الآن باعتبار أن لا نصوص في الدستور اللبناني تلزمهم بالترشح، يحول حتى إشعار آخر دون انتقال المواجهة إلى داخلها، على رغم أنه يمثل حيثية لها حضورها الفاعل في الشارع المسيحي. موقف جنبلاط لكن مصادر أخرى لا تستبعد أن يبادر رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط إلى الإعلان عن ترشيح أحد نواب الجبهة لانتخابات الرئاسة يمكن أن يلقى تأييداً من بعض المستقلين في «14 آذار» وتحديداً النواب الأعضاء في اللقاء النيابي الديموقرطي قبل أن ينفصلوا عن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي على خلفية تخلي الأخير عن ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة وتبنيه مجيء الرئيس نجيب ميقاتي. وتتعامل هذه المصادر مع ميل جنبلاط إلى درس الظروف السياسية المحيطة بانتخابات الرئاسة، انطلاقاً من رغبته في طرح اسم المرشح، على الأقل في دورة الانتخابات الأولى، إلى تظهير موقفه من المعركة على أنه يفضل أن تكون «جبهة النضال» خارج الاصطفاف في الانتخابات الرئاسية التي ستشهد منافسة بين «14 آذار» وقوى 8 آذار، علماً أأن الرئيس بري لم يحدد موقفه منها، ولا يزال يحتفظ لنفسه بمسافة واحدة من جميع المرشحين، خصوصاً إذا كانت المعركة في دورة الانتخاب الأولى ستكون محصورة بين رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون وجعجع، أو من تتفق عليه «14 آذار». وتعتبر أن موقف جنبلاط في دعم مرشح من خارج الانقسام السياسي العمودي في البلد يصب في خانة حرصه الشديد على ضرورة البحث عن مرشح تسوية، يمنع من إحداث فراغ في الرئاسة الأولى. لكن هذه المصادر لا تستبعد عزوف عون عن خوض المعركة في دورتها الأولى أسوة بما سيفعله الرئيس الجميل والنائبان حرب وغانم بذريعة أن زعيم «التيار الوطني الحر» يضع نفسه خارج المنافسة ويسعى إلى تسويق ترشحه في الدورات اللاحقة على أنه مرشح تسوية. كما أنها لا تستبعد أن يبادر في الدورة الأولى إلى دعم ترشح حليفه زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية بذريعة أن ترشحه يلغي حتماً ترشح جعجع على رغم أن مثل هذا «السيناريو» لا يزال قيد الدرس ولم تتخذ «8 آذار» أي موقف في هذا الخصوص. ماذا عن تريث «حزب الله» ؟ وفي هذا السياق تتوقف المصادر أمام إحجام «حزب الله» حتى الآن عن إعلان ترشيحه عون، خصوصاً أن أمينه العام السيد حسن نصرالله قال أخيراً إنه سيكون لقوى 8 آذار مرشح سيعلن عنه في حينه فور الانتهاء من المشاورات الجارية بين الأطراف المنتمية إليها. ورأت أن تريث «حزب الله» في تسمية مرشحه يعود إلى أن قيادته لا تريد أن تستعجل حرق المراحل المتعلقة بالترشح، وأن تريثها يخدم عون لئلا يظهر إلى العلن على أنه مرشح الحزب. وبكلام آخر - كما قالت المصادر - فإن «حزب الله» يريد أن يمنح عون فرصة لتلميع صورته لجهة تقديم نفسه على أنه يتمايز عن الحزب، وهذا ما يتولاه عضو «تكتل التغيير» الوزير جبران باسيل سواء في لقاءاته المحلية أم من خلال إطلالته على المجتمع الدولي بصفته وزيراً للخارجية. وأكدت أن الحزب، وإن كان يرغب في عدم حرق اسم عون كمرشح تسوية، فإنه في المقابل يريد أن يعطي نفسَه فرصة ليتأكد من عدم وجود تناغم رئاسي من تحت الطاولة بين «تكتل التغيير» و «المستقبل»، مع أن جميع الذين اطلعوا على لقاء عون والحريري الباريسي يؤكدون أن حدود الأجواء التي سادته كانت وراء الإسراع في تشكيل الحكومة العتيدة برئاسة تمام سلام من دون أن تكون معطوفة على الانتخابات الرئاسية. وقالت هذه المصادر إن الاستقرار الذي ينعم به لبنان حالياً لم يكن في متناول يد اللبنانيين، لولا الإجماع الدولي والإقليمي على التهدئة من دون أن يكون مفتوحاً على الانتخابات الرئاسية. ولفتت إلى أن المعركة الرئاسية، وإن كانت تحظى بهذا الإجماع لإنجاز مثل هذا الاستحقاق في موعده لمنع حصول فراغ في سدة الرئاسة الأولى، فإنها في المقابل، ما زالت تفتقد التوافق على الرئيس العتيد بصرف النظر عن إسراع هذه الجهة الدولية، أو تلك إلى نفي وجود مرشح محسوب عليها، وقالت إن الموقف الأميركي منه لا يزال بلا موقف وإن نفي واشنطن وجود مرشح لها يراد منه دحض ما أشيع حول دعمها ترشحَ عون باعتباره المرشح الوحيد الذي يسحب الأوراق السياسية والأمنية من «حزب الله»، على رغم أن مثل هذا الرهان ليس في محله، لأنه يفتقر إلى التعمق في العلاقة الاستراتيجية بينهما. لذلك، يبقى جعجع حتى الساعة المرشح الوحيد الذي أعلن ترشحه، وهو يرى كما ينقل عنه زواره من النواب أن في وسع «14 آذار» أن تخوض معركة سياسية بغض النظر عن النتائج وأن لديه القدرة عل تحقيق توازن انتخابي مع المرشحين الآخرين وأن الطرف الآخر يتهيب أي موقف لتطيير النصاب في دورات الانتخاب لما سيترتب على موقفه من ردود فعل في الشارع المسيحي. وأكد جعجع - وفق زواره - أنه يتواصل مع «المستقبل» وأنه الأقوى بين المسيحيين في «14 آذار» بسبب حضوره السياسي وحجمه الانتخابي وبالتالي لا يحبذ الرأي القائل إن على المسيحيين فيها الاتفاق على مرشح واحد... وسأل جعجع أمام زواره: «عندما يكون الحريري مطروحاً لرئاسة الحكومة أنا لا أذهب إلى الآخرين من منافسيه لسؤالهم عن موقفهم، لأنه الأقوى من دون منافسة في الشارع السنّي، وبالتالي لن أتردد في تأييده، لا سيما أننا على تحالف استراتيجي معه». ولفت إلى أنه أكثر تمسكاً بوحدة «14 آذار»، خصوصاً في هذه الظروف الدقيقة، وقال: «إذا فرطت ستحل كارثة بالبلد وكنت وضعت الحريري قبل ستة أشهر في الأجواء وأبلغته رغبتي في الترشح». مؤكداً البلد لا يحتمل مجيء رئيس لا لون له ولا طعم. وتعامل بعض الزوار مع كلام جعجع على أنه ماضٍ في ترشحه، ليس لقطع الطريق على انتخاب عون فحسب، وإنما لمنع وصول رئيس لا يجرؤ على اتخاذ المواقف.