أكد رجل الأعمال السعودي عبدالرحمن فقيه أن «قطار المشاعر» لن يكون حلاً نهائياً لمشكلة النقل العام في مكةالمكرمة، معتبراً المشكلة أزلية وقديمة، موضحاً أن النقل بين المشاعر المقدسة بحاجة إلى درس أكثر دقة إذ إن التنقل بين المشاعر أيام التصعيد والنفرة من عرفة، والدخول والخروج من منى ورمي الجمرات والطواف والسعي تعتبر من أكثر المشكلات تعقيداً، وليس لها مثيل في العالم. ورفض في حوار خص به «الحياة» إعطاء وقت محدد لإنهاء المشاريع التي تنفذ حالياً في مكة، مؤكداً أن غالبية الذين يعيقون التطوير العمراني هم قلة من ملاك المساكن العشوائية أو نظار الأوقاف. هناك بعض الأصوات التي تقلل من قيمة المشاريع التي تنفذ حالياً في مكة بهدف تطوير هذه المدينة المقدسة، ما هو تعليقكم على هذه النقطة؟ - أنا لست متشائماً أبداً، فمشاريع التطوير أصبحت واقعاً ماثلاً للعيان وخياراً وحيداً للتقدم العمراني، وأما الذين يقولون إن مشاريع التطوير ستتعثر واهمون، وهم أولئك الذين يعيقون التطوير العمراني من دون مبرر منطقي أو علمي، وهم قلة من ملاك المساكن العشوائية أو نظار الأوقاف التي تكاد تسقط على ساكنيها لقدمها ولعدم جدوى استثمارها وهي على حالها المتهالكة، وبالأرقام فإن استثمار العشوائيات سواء كانت أملاكاً أو أوقافاً سيرفع من مردودها الاستثماري المالي، وتوجه الحكومة السعودية بات واضحاً وقوياً في هذا الاتجاه، كما أن مشاريع التطوير السابقة برهن بالأرقام نجاحها، وتحقيقها أرباحاً مضاعفة، كما أنها ستعمل على الإسهام في تغيير الوجه القديم المتداعي إلى واجهة عمرانية حديثة تليق بالمكانة القدسية لمكةالمكرمة. ولكن، هناك عدد من الباحثين والفنيين والمهتمين بالتاريخ الإسلامي ينتقدون تنفيذ هذه المشاريع، مؤكدين أنها مطلوبة لمدينة كمكةالمكرمة لكن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب المحافظة على ثقافتها وتاريخها وهويتها وطبوغرافيتها التي عرفت عنها ما هو رأيكم؟ - مع احترامي وتقديري الكبير لنقد الذين قلت عنهم في سؤالك أنهم من الباحثين والمهتمين بالتاريخ، فإنني أرد عليهم وأقول إن مشاريع التطوير لم تكن أبداً على حساب المحافظة على ثقافة وتاريخ مكةالمكرمة وطبوغرافيتها التي لن تغيرها المشاريع القائمة حالياً، والدليل واضح أمامنا تماماً وليس بحاجة إلى شاهد، فمن خلال منطلق عملي فإن أول مشروع للتطوير وهو شركة مكة أو المشروع الحالي «جبل عمر» راعيا السمة التاريخية للمكان الذي وجدا فيه، وهذا ينفي التهمة من أساسها، وهذا بدوره يؤكد أننا دائماً وأبداً نستلهم في تصميم المشاريع المنفذة عناصر التراث الإسلامي ومفردات العمارة المكية الأصيلة وذلك بهدف إعطاء طابع خاص لها، ما يمنحنا الحرية كاملة في القول أن مكةالمكرمة لاغنى لها أبداً عن حركة التطوير المحيطة بالحرم بما فيها المشاريع كافة ، سواء في جبل عمر أو غيره من المشاريع، وهي باتت ضرورة لازمة ولا حل غيرها لمواجهة الزيادات الكبيرة في أعداد الحجاج والمعتمرين والتي أصبحت تتجاوز عشرات الملايين على مدار العام وتبلغ ذروتها في موسم الحج. بحكم أنك خبير اقتصادي، هل تستطيع تحديد موعد محدد لانتهاء هذه المشاريع، أو هل سترى النور خلال هذه الفترة الوجيزة؟ - لا أستطيع أن أحدد تاريخاً معيناً لخروج مشاريع التطوير التي تجري في مكةالمكرمة إلى حيز الوجود لأنها كما ذكرت لك تسير وفق جدول محدد، لكنني ومن خلال متابعتي الدقيقة لموضوع تنفيذ المشاريع أستطيع أن أقول إن من حسن الطالع أن رئيس اللجنة العليا لتطوير مكةالمكرمة والمشاريع المقدسة أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل يقف بنفسه على تنفيذ مشاريع التطوير، كما أنه يحمل وجهة معينة ورؤية خاصة تتلخص في أن تكون مكةالمكرمة من أجمل مدن العالم، وفي الوقت ذاته يتابع ويشرف على تنفيذ تلك المشاريع بنفسه، ويعمل على حث الشركات على إنجاز أعمالها ويذلل العقبات كافة التي تواجه تنفيذها، كما أننا وعلى الصعيد نفسه، أعتقد أن هناك منهجية وجدولاً زمنياً محدداً، تسير وفقها تلك المشاريع، يجعلها ترى النور في وقت قريب، ومنها مشروع تطوير جبل عمر الذي يسير العمل فيه على مدار الساعة. ما رأيكم حول جدلية مشكلة تطوير الأحياء العشوائية؟ وما يدور حولها من لغط كبير؟ - لابد أن يعلم سكان العشوائيات كافة أن التطوير هو اللغة الأساس التي تنطلق من خلالها، أو في فكرتها الرئيسة من إزالة هذه الأحياء العشوائية، أو المجمعات السكنية التي ندرك أنها باتت لا تناسب متطلبات قاطنيها، ولا تفي أبداً بالتزامات الجهات الحكومية تجاه المسؤولية الملقاة على عاتقها نحوهم، من توفير للخدمات العامة والخاصة لهم، فضلاً عن توافر المرافق المختلفة كانت تعليمية وأمنية أو صحية واجتماعية، ومن هنا لابد أن يقف الجميع مع سياسة الإصلاح والتطوير، نعم تحدث بعض المشكلات كتأخير صرف المستحقات ونحوه، ولكنها تعد تنظيمات وإجراءات معينة لا تتعدى أن تكون مسألة وقت لا أكثر أو أقل، الجميع حقيقة مع التطوير، وأمير المنطقة وضع خطة شاملة لتطوير الأحياء العشوائية، كما أن أمارة المنطقة وضعت لها تنظيماً حظي بموافقة الحكومة السعودية، وهي الآن دخلت مرحلة التطوير حيز التنفيذ بإطلاق شركتين للتطوير العقاري في جدةومكةالمكرمة ترعاهما أمانة جده وأمانة العاصمة ، ومن هنا فإننا يجب أن نؤمن أن التطوير هو أسلوب العمل المقبل بكل قوة، شئنا أم أبينا، وهو سمة العهد الحالي الذي نعيش فيه. أكد أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل في بعض أحاديثه أن من أهم التحديات التي تواجهها مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة هي مشكلة النقل العام، فما هي أبرز الحلول التي تعتقدون أنها ستقضي على هذه المشكلة؟ - بداية الأمر لابد أن نعترف أن صعوبة النقل في «مكة والمشاعر» مشكلة قديمة وأزلية، وتزيد تعقيداً مع زيادة عدد الحجاج والمعتمرين عاماً بعد عام، وأنا هنا أقرن النقل بالسكن إذ لا يمكن الفصل بينهما أبداً، لكنني أعتقد (ربما أكون محقاً في ذلك) من خلال نظرة مستقبلية خاصة أن تطوير المنطقة المركزية للحرم المكي سيعالج الزيادة المضطردة في الأعداد التي تصل إلى خانة الملايين بتوافر المساكن الحديثة التي تستوعب تلك الزيادة، كما أن قرارات إنشاء قطار الحرمين، ومنع السيارات متوسطة الأحجام من الدخول إلى مكة والمشاعر أثناء المواسم، وتخصيص الخطوط الترددية خلال الثلاث سنوات الأخيرة أثمرت في وضع حلول عدة لمشكلة النقل، ولا أنسى أن أؤكد أن قطار الحرمين الذي سيظهر أخيراً سيحل كثيراً من هذه المشكلة. سيبدأ قطار المشاعر هذا الشهر بالمراحل التجريبية استعداداً لدخول الخدمة في الحج؟ هل تظنون أنه سيؤطر لمرحلة جديدة ومتطورة في نقل الحجيج؟ وكيف ترون مدى اقتناعهم به خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن بعضهم يرى أنه لابد من سلك طريق المشقة لتحصيل الأجر كاملاً؟ - أعتقد أن «القطار» حلّ جزئي وليس حلاً كاملاً أونهائياً لمشكلة المرور والنقل، وأن النقل بين المشاعر يحتاج إلى درس أكثر دقة، لأن التنقل بين المشاعر أيام التصعيد والنفرة من عرفة، والدخول والخروج من منى ورمي الجمرات والطواف والسعي، يعتبر من أكثر المشكلات تعقيداً التي ليس لها مثيل في العالم، ولعل منشأة الجمرات كانت من أفضل الحلول التي كانت تعترض الحاج في هذه الشعيرة، ونتفاءل في أن يكون قطار الحرمين جزئية مهمة كما قلت في التنقل بين مكةالمكرمة وعرفات ومزدلفة ومنى. كيف ستحلون مشكلة النقل داخل مشروع جبل عمر؟ خصوصاً بعد قرار الحكومة السعودية فتح العمرة طوال العام؟ - في شأن مشروع جبل عمر فإنه مشروع كامل الأجزاء، وتم في الاعتبار أخذ جميع العناصر التي يحوي عليها المشروع بمدخلاته ومخرجاته البيئية والاجتماعية والهندسية والأمنية، وقد راعينا في أولويات المشروع أن يكون النقل من أهم الأمور التي يتم درسها قبل بدء التنفيذ، وكلفنا مكتباً هندسياً متخصصاً من سويسرا لعمل الدراسات المرورية المختلفة لحركة السيارات والمشاة داخل المشروع وارتباطها بالشوارع والمناطق المحيطة، وتم بحسب هذه الدراسة استحداث أربعة مداخل ومخارج لربط المشروع بالشوارع الحالية والمستقبلية في المنطقة عبر كل من شارع أم القرى وطريق الملك عبدالعزيز وشارع «دحلة الرشد» والطريق الدائري الأول. وهنا، لا بد من التذكير بأن جميع مداخل الأبراج تقع على الشوارع الداخلية للمشروع، عليه فإن أعمال تنزيل القاطنين أو تحميلهم بالحافلات ستكون من داخل المشروع وليس عبر الشوارع المحيطة، بل من دون الحاجة إلى استخدام شارع إبراهيم الخليل، كما أن الاعتماد على وسائط النقل المختلفة عبر طريق الملك عبدالعزيز سيؤدي إلى التقليل من حال الاكتظاظ المروري في منطقة المشروع، إضافةً إلى أن الشركة ستعمل على بناء نفق على شارع إبراهيم الخليل للإسهام في انسيابية الحركة المرورية في المنطقة المركزية، وسيعمل هذا النفق على منع اختلاط المشاة بالسيارات، بسبب أن هذا الاختلاط كما هو موجود حالياً يؤدي الى تعطيل حركة السير في جنوب وشرق الحرم. * هل تعتقد أن طرح شركة «جبل عمر» عمل على تنشيط الجانبين الأكثر طلباً في البلاد، «العقارات والأسهم المحلية»؟ وهل يسير المشروع في الطريق المخطط له؟ وما سيقدمه لمكة على وجه الخصوص؟ -أولاً إذا اعتبرنا أن المشروع يعد الأول بين اقرانه، فإن هذا يرجع إلى نتاج محورين رئيسين، الأول دعم الحكومة السعودية للقطاع الخاص، ومنحه كل الفرص لتولي مسؤولياته التنموية، والثاني بسبب نتاج تجربة سابقة في التطوير أخرجت مشروع مكة القائم حالياً وهو شركة مساهمة يتم تداول أسهمها في سوق المال كأحد أبرز الشركات العقارية ذات المردود الجيد، كما أن دراسات ومخاض خروج جبل عمر إلى حيز التنفيذ استغرق قرابة ال20 عاماً وصرف عليه ما يقارب من 900 مليون ريال، وجميعها خصصت فقط للدراسات والتصميمات والتعديلات حتى يخرج المشروع على أكمل وجه، ونحن في هذا الحديث لايمكن أن ننكر أن جبل عمر كشركة مساهمة لها نفس توجه شركة مكة للإنشاء والتعمير، وتخدم جانبي الاستثمار العقاري والمالي من خلال أسهمها وفوق ذلك فهي تحقق أرباحاً كبيرة تزيد بأضعاف ما كان يحصل عليه ملاك العقارات الذين ساهموا بها في المشروع، بمعنى آخر فإن للمشروع إيجابيات عدة تصب جميعها في ازدهار اقتصادنا المعاصر، ومن الناحية الجمالية، والاستثمارية فيما يتعلق بإحالة المنطقة من أحياء عشوائية إلى مدينة عصرية، في الوقت الذي يسير فيه المشروع وفق المخطط والمرسوم له، وسيكون إضافة مميزة لمكة التي ستكون قريبا من أجمل مدن العالم.