قبيل نيله جائزة نوبل في 1994 وعد الكاتب الياباني كنزابوري أوي بالتوقف عن محاكاة حياته في أدبه. وجد ابنه المعوق صوته في الموسيقى، وبدا أنه لم يعد هاجساً يتذكره أو ينساه في كتبه. كتب «شقلبة» الضخمة عن الطوائف الدينية والخطر النووي وبحث اليابان عن هويتها بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية. لم يرحم النقاد تسطّح شخصياتها وتشوش بنائها، فاستعاد في «المتغير» الصيغة المألوفة الرابحة. هو، ابنه المعوّق الذي بات مؤلفاً موسيقياً، وزوجته وشقيقها المخرج المعروف الذي قفز الى موته استباقاً ربما لفضيحة جنسية. كوغيتو تشوكو كاتب بارز في عقده السادس يمضي أمسياته أخيراً في الاستماع الى أشرطة يرسلها صديقه وشقيق زوجته غورو هيناوا. ساءت علاقته به أخيراً، لكنه وجد سلوى في سماع ذكريات صداقة تعود الى المدرسة، ورأيه في شعر رامبو والسينما والأدب، مع أن غورو انتقده لإقحامه نفسه بطلا في رواياته. ذات مساء يقول: «انتهيت اليوم، وسأتوجه الآن الى الجانب الآخر، ولكن لا تقلق. لن أتوقف عن الاتصال بك». يسمع كوغيتو صوت حركة ويغفو لتوقظه شيكاسي قائلة إن شقيقها الوحيد انتحر بالقفز الى الشارع. يدخل الكاتب ما بسميه « ماراتونا انفراديا من الذكريات» مع نحو ثلاثين شريطاً سجلها غورو. يوقف الآلة ليجيب صديقه كأنه يحفظه حياً إلى أن تنشله زوجته من صدمته. تستدرجه الى الحياة مجدداً فيقبل منصباً تعليمياً لفصل واحد في جامعة في برلين حيث عمل غورو وارتبط بشابة مريبة. يستعيد الراوي مراراً أحداثاً صغيرة وقعت إحداها في مطعم. قصده غورو لتناول السوشي مع زوجته وشيكاسي وأصدقاء فطلب منهم رئيس الندل الانتقال الى مائدة أخرى. رفض وأصر على موقفه عندما اكتشف أن رئيس عصابة ياكوزا هو الذي انتقى مائدته عمدا. كان غورو هاجم العصابة في أحد أفلامه، وخشيت زوجته انتقامها بقتلهم. يستخدم كوغيتو الحادث ليبرز شخصية صديقه ويرد على الإعلام «القذر». تعرّض منذ بداية عمله لانتقاد ملحّ من صحافي انتهازي استغلّ الحادثة ليسخر من الكاتب الذي يفتقر الى شجاعة شقيق زوجته الوسيم وتحريضه السياسي. تلاحظ شيكاسي أن الصحافة بدت خائبة لأن المواجهة مرّت من دون ذيول، لكن العصابة تلاحق كوغيتو وترهبه سنينَ عدة. هل تعرّض غورو في فتوته لاعتداء جعله «المتغير»؟ أسّس والد كوغيتو منظمة يمينية متطرفة في القرية التي نشأ فيها، وقتل خلال عملية نهب لمصرف. انسحب أنصاره الى الغابة، وفي نهاية أسبوع أجبروا المراهقين وضابطاً أميركياً شاباً على تناول العشاء والكحول التي صنعوها بأنفسهم. تخلّل العشاء السر الذي غيّر غورو، وبعد انتحاره تعطي شيكاسي زوجها شريطا سجّله تأثراً بالحادث وإن كتم تفاصيله. تكشف أحداثاً يجهلها الراوي فتضيء بعضها وتشوّش أخرى. شيكاسي القليلة الكلام، فاعلة صامدة خلافاً لزوجها، وشعارها العنيد متابعة الحياة حيث انتهت البارحة. ترسم، تعتني بابنها، وتكتشف سر اختفاء عشيقة غورو. يستبدل أوي أسلوبه المشغول باقتصاد زميله هاروكي موراكامي الأصغر سناً، ويهجس بطبيعة الفن، اللغة، العلاقات، الذاكرة والاحتلال الأميركي لليابان. اختار اسم «كوغيتو» تحية لديكارت وبرهانه الوجوي: «أنا أفكر إذا أنا موجود»، وعرض ثقافته الواسعة باستعمال عبارات بالفرنسية والإنكليزية والألمانية. ناقد عنيد للقومية اليابانية، وزوجته شقيقة صديق المدرسة جوزو إيتامي، الممثل والمخرج الذي هاجمه أفراد من عصابة ياكوزا وشقوا وجهه لسخريته منهم في فيلم له. عن جنرال هل كان القائد الأخير للجيش الألماني قبل النازية بطلاً أو جباناً؟ يحار هانز ماغنوس إنزنسبرغر في تصنيفه في روايته التاريخية أو تاريخه الروائي الذي نقل الى الإنكليزية بعنوان «صمت هامرشتاين». عارض صامتاً فكلّفه صمته الوسام، ويمكن القول إنه «نوع من امتلاك نظام خاص من القيم». التفّ كرت فون هامرشتاين حول اتفاق فرساي الذي منع تسلح ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى بشراء الدبابات من روسيا مقابل الأسلحة الكيماوية. قال إنه يستطيع النوم مرتاحاً الآن لأن الجيش يستطيع إطلاق النار على النازيين إذا تطلّب الأمر ذلك. لكنه لم يتحرّك عندما ضم أدولف هتلر الجيش الى حزبه. كان مثقفاً بارداً يعود الى البيت لينعزل في مكتبه أو ينتج المزيد من الأطفال، لكنه استضاف اجتماعات المعارضين، وزوّدهم معلومات مهمة من دون أن ينضم إليهم. انخرطت ثلاث من بناته الأربع في الحزب الشيوعي، وانتهزن غيابه للاطلاع على ملفاته السرية. وانضم اثنان من أبنائه الى الكونت فون شتوفنبرغ الذي خطّط لاغتيال هتلر بحقيبة متفجرات، ولاحقهما الغستابو حتى هزيمة النازية. تخلى عن «فون» الأرستقراطية في اسمه، وأحبت ابنته هيلغا شاباً يهودياً متحدية لاسامية طبقتها. حاول هامرشتاين منع هتلر من الفوز بمنصب المستشار، ورآه مجنوناً سيتسبّب بخراب ألمانيا. لو لم يمت بالسرطان في 1943 كان قتل حتماً، يقول إنزنسبرغر، لكن صمته صان حياته وسمح له بالبقاء على صلة بمختلف قطاعات الجيش. يجري الكاتب «مقابلة» مع هامرشتاين بعد موته، ويلفته زهوه بأولاده الذين ثابروا على مقاومة النازيين وشعاره: «الخوف ليس فلسفة حياة»! يصف إنزنسبرغر(80 سنة) مصالحة الحرب والرعب مع الحياة اليومية العادية. عرضت الأفلام الكوميدية قرب منازل أفرغتها الاعتقالات من سكانها. بنى النازيون مدارس مرّت أمامها عربات سوداء ازدحم فيها المساقون الى الموت والتعذيب. قصد الألمان الشواطئ ومباريات كرة القدم. أبحروا وجمعوا الطوابع وقطف نحالوهم العسل، ونظمت الرحلات للعمال اليدويين تحت شعار «القوة عبر الفرح». انضم مراهقاً الى « شبيبة هتلر» وطرد بسرعة لاستقلال فكره. استمع الى هيئة الإذاعة البريطانية خلال الحرب وهو يختبئ تحت أغطية السرير خشية أن يسمعه الجيران. أحس بالتحرر عندما أغارت الطائرات البريطانية على مدينته، ولم تصدمه رؤية الجثث في الشوارع. استمتع ابن الخامسة عشرة بالفوضى وغياب السلطة، وفور انتهاء الحرب عمل في قاعدة لسلاح الجو الملكي البريطاني خارج المدينة مترجماً ثم تاجراً في السوق السوداء. اختبر أنواعاً أدبية عدة، لكنه شاعر أساساً، ويراه البعض أفضل شعراء ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية لغنى مادته وتنوع أساليبه. الشعر يستوعب كل الخبرة البشرية، ويدهشه تمسك بعض زملائه بموضوع واحد وذهولهم من الكتابة عن الرياضيات مثلا في قصيدة. مادة نسائية أثارت أس بايات الجدل في مهرجان إدنبرة الدولي للكتاب حين قالت إن النقاد يرون مؤلفات الكتب المتطلبة الذكية غريبات وغير طبيعيات «مثل كلب يقف على قائمتيه الخلفيتين». الكاتبة الإنكليزية الحائزة جائزة بوكر في 1990 عن «امتلاك» انتقدت دائما التمييز الجنسي في عالم الأدب وجائزة أورانج الخاصة بالنساء. «ليست هناك جائزة للرجال فقط. تزعم جائزة أورانج أن هناك مادة قصصية نسائية، ولا أعتقد ذلك». أل كينيدي ردّت بسرعة على بايات الأكبر سناً قائلة إن نظرتها قديمة. قالت إنها تنتمي الى خانة الكاتبات المفكرات ولا تجد صعوبة تتعلق بجنسها. إيان رانكين ذكر أنه اختار ميورييل سبارك، «أكثر الكتاب تطلباً»، موضوعاً لأطروحة الدكتوراه. عاملها النقاد بجدية، وراجعوا أعمالها في «نيويورك تايمز» وملحق «ذا تايمز» الأدبي. أضاف أن النساء أمهر من الرجال في الكتابة البوليسية، وأن باتريشيا هايسميث الراحلة نالت أخيراً جائزة أفضل الكتاب البوليسيين إطلاقاً.