اعترف رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي (المصرف المركزي) بن برنانكي بأن تقليص الدعم الحكومي إلى القطاع السكني في البلاد، في وقتٍ لا يزال المستهلك المحلي يعاني تبعات الخسائر الهائلة التي التهمتها الأزمة المالية من ثروته، فضلا عن الارتفاع المزمن في معدل البطالة، ساهم بقوة في الانخفاض الحاد الخطير والمفاجئ الذي سجلته مبيعات المساكن الشهر الماضي. وحذر برنانكي في كلمة أمام منتدى اقتصادي سنوي استضافه مصرف «كنساس سيتي» الفيديرالي في منتجع «جاكسون هول» (ولاية وايومينغ) ليل الجمعة الماضي، من أن أزمة العقار السكني، الذي يختزن نحو 30 في المئة من الحجم الإجمالي لاستثمارات المستهلك الأميركي، ويلعب تالياً دوراً حاسماً في تقرير اتجاهات اقتصاد الولاياتالمتحدة، مرشحة للاستمرار ل «بعض الوقت». وصعق «الاتحاد الوطني للوسطاء العقاريين» وأسواق المال ومحللون اقتصاديون (والحكومة التي أصدرت تقريراً أقر بضخامة تحديات سوق السكن)، عندما أعلن الثلثاء الماضي أن مبيعات المنازل هوت بنسبة 25.5 في المئة في تموز (يوليو) منخفضة إلى أدنى مستوى لها منذ ما يزيد على عقد كامل إذ بلغ معدلها السنوي 3.83 مليون وحدة سكنية مقارنة ب 5.14 مليون وحدة في الفترة ذاتها من 2009. وأكد تقرير اتحاد الوسطاء العقاريين المخاوف في شأن هشاشة انتعاش الاقتصاد الأميركي. وزاد مكتب التحليلات الاقتصادية في وزارة العمل هذه المخاوف تأكيداً بعدما أصدر الجمعة تحديثاً لتقديراته عن وتيرة النشاط الاقتصادي خافضاً معدل نمو الناتج المحلي في الفصل الثاني من السنة الحالية من 2.4 إلى 1.6 في المئة. لكن انهيار مبيعات المساكن جاء أيضاً مناقضاً لأكثر التوقعات تشاؤماً. فوفقاً لمؤشرات «ستاندرد آند بورز/كيس شيلر» أدى انفجار الفقاعة العقارية منتصف 2006 إلى خسارة سوق المساكن بحلول تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، المكاسب الضخمة كلها التي حققتها منذ 2003، ما دفع المحللين إلى الاستتنتاج بأن أسعار المنازل أصبحت أكثر إغراء من أن يتجاهلها المستهلك، سيما أن تحسناً أولياً، ولكن ملحوظاً في معظم المؤشرات الأساسية لسوق السكن، بدأ يظهر في ربيع العام ذاته. ولم تنحصر مغريات شراء مساكن، في الأسعار، بل انزلقت معدلات الفائدة على الرهون العقارية إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة. وأعلنت مؤسسة «فريدي ماك» شبه الحكومية المتخصصة في مساندة سوق الرهون العقارية الاسبوع الماضي، أن سعر الفائدة الثابتة على الرهن العقاري القياسي ( 30 سنة) بلغ 4.42 في المئة منخفضاً من 4.56 في المئة في تموز الأخير و5.22 في المئة في تموز 2009. ولفت برنانكي في كلمته في منتجع جاكسون هول، إلى أن الفضل في انخفاض معدلات الفائدة عموماً وبالأخص فوائد الرهون العقارية، يعود إلى انفاق مجلس الاحتياط الفيديرالي تريليوني دولار للاستحواذ على السندات طويلة الأجل، وضخ الجزء الأعظم من هذا المبلغ الخيالي (850 بليون دولار) في الاستحواذ على السندات المورقة على الرهون العقارية المتعثرة. لكن محللين توقعوا أن تنخفض مبيعات المساكن 14 في المئة في تموز الماضي، وعزوا تشاؤمهم إلى أسباب عدة أهمها حاجة المستهلك إلى ضبط انفاقه بعد صدمة الثروة. ولا تبدو هذه الحاجة أشد إلحاحاً مما هي عليه في الوقت الراهن، إذ تفيد تقارير مجلس الاحتياط بأن عودة أسعار المساكن إلى مستوى عام 2003 ألحقت بالمستهلك الأميركي خسائر تنوف على 7.6 تريليون دولار أي 32 في المئة من ثروته العقارية. وبرزت أسباب أخرى لانتكاسة السوق العقارية الشهر الماضي منها تأكيد مؤشرات «ستاندرد آند بورز/كيس شيلر» أن أسعار المنازل، وعلى رغم من خسائر مكاسب 42 شهراً، لا تزال أعلى من مستوياتها المسجلة عام ألفين بما يراوح بين 50 و60 في المئة تاركة الباب مشرعاً أمام احتمال حدوث انخفاضات جديدة وربما حادة في قيمة السكن. ولم تفت برنانكي الاشارة إلى أن «مبيعات المنازل انخفضت بحدة بعد انتهاء صلاحية التعويض الضريبي لمشتري المساكن حديثاً»، لافتاً بذلك إلى برنامج حكومي سخي أطلقته الادارة السابقة واستبقته إدارة الرئيس باراك أوباما، مقدماً دعماً بقيمة 8 آلاف دولار لكل فرد يرغب في اقتناء منزل للمرة الأولى.