«محلاتهن» على رابية صغيرة في أطراف السوق الأسبوعي، في الهواء الطلق. بضاعتهن معروضة من دون تغليف، على الأرض الترابية مباشرة. الزبائن من النساء غالباً. يتفحصن البضاعة من كل جوانبها. ينقرن عليها نقرات خفيفة. يصخن السمع إلى تردد الصدى، قبل أن يقررن في شأن السعر. البائعات سريعات في إرضاء المشتريات، كأنهن يرغبن في التخلص من بضاعتهن قبل فراغ السوق من زوارها، على عكس زملائهن الباعة الرجال. من الأفضل أن يعدن إلى بيوتهن ببعض المال، بدلاً من إرجاع البضاعة وانتظار موعد السوق الأسبوعي التالي. يشتهر «سوق السبت» القروي الأسبوعي في بلدة واد لو المغربية المتوسطية (45 كيلومتراً شرق مدينة تطوان) بأواني الطين الأحمر التي تصنعها نساء إحدى القرى، من دون رجالها. بعض رجال قرية بني يفرن بدأوا يدخلون دورة الإنتاج باحتشام، بجلب الطين والاهتمام ببيع المصنوعات الطينية. تجلب النساء الطين من عمق الجبل. يحفرن حتى العثور على طين بجودة عالية. يغربلنه، يطحنّه، ثم يعجنّه بالماء ويشرعن في تشكيل الآنية، بواسطة قطعة حجر صقيل يساعدهن على تصنيع شكل الآنية (قِدْر، قربة، صحن...)، ثم بواسطة قطعة جلد يمشّطن الآنية لتشذيب أطرافها وإزالة الشوائب، قبل أن يعرّضنها للشمس لتجف. تستطيع القروية المحترفة أن تنتج خلال يوم واحد من 40 إلى 50 قطعة، وتكسب في الأسبوع بين 100 و120 دولاراً. جميع إناث القرية تشاركن في مراحل الإنتاج المختلفة. انها حرفة تدرّ المال، والطلب عليها قائم صيفاً وشتاء، وفي تزايد، لكن غالبية الإنتاج تباع لتجار الجملة في المكان نفسه قبل بلوغ هذا السوق. نساء قرية بني يفرن الماهرات أشهر من نار على علم بين القرويين في المنطقة، لكنهن مغمورات، ويشتغلن في الظل، مع أنهن معيلات لأسرهن، إذ يوفرن حياة أفضل لذويهن مقارنة بحياة أهل القرى المجاورة. وآخر مرة خرجت فيها صانعات أواني الطين إلى الضوء انتهت بمأساة أسرة كاملة. حصل أن إحدى الفضائيات اهتمت بنشاطهن، وأنجزت ريبورتاجاً مع إحدى الأسر المكونة من أربع أخوات شابات ووالديهن يبرز مراحل إنتاج أواني الطين قبل بلوغها السوق ودور القرويات الاجتماعي والاقتصادي في القرية. بعد بث الريبورتاج التلفزيوني، أقدم أخو الشابات على طرد جميع أفراد أسرته من القرية، لأنه لم يستطع تحمل انتقادات القرويين ونظراتهم لما اعتُبر انتهاكاً للشرف. لا يبدو أن هؤلاء النسوة سيخرجن من الظل قريباً... فبمجرد توجيه عدسة الكاميرا نحو البائعات، هرول شاب نحو أمه البائعة يحذرها من مغبة ظهور صورتها في مكان ما. قالت ضاحكة: «ألم تريني أهددك بيدي إن التقطت صورة لي؟ فعلت ذلك لطمأنة ابني». نساء الطين أكثر انفتاحاً على العالم من ذكور قريتهن. حكت لي البائعة قصة مأساة الأسرة، كي تعلل رفضها التقاط صورة لها، فيما لم ترفض الحديث بطلاقة وحفاوة عن حرفتها. تدرك الصانعات أن لهن دوراً اقتصادياً محورياً في قريتهن، فضلاً عن دورهن الاجتماعي التقليدي، لذلك يواصلن العمل في صمت، عسى صبرهن ان ينصفهن ذات يوم من عقلية ذكورية منغلقة، لا تدرك بعد ماهية الشرف الحقيقي، شرف العمل والكد، ليرد لهن ولحرفتهن الاعتبار اللائق.