عادت الأجواء الملتهبة إلى ساحة السياسة الداخلية في تركيا بعد شهر عسل قصير جمع بين المعارضة والحكومة اثر محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز (يوليو) الماضي، ومد الرئيس رجب طيب أردوغان يده إلى المعارضة من أجل فتح صفحة جديدة تخدم مصلحة البلاد. وقال زعيم المعارضة البرلمانية كمال كيليجدار أوغلو إن «روح المصالحة التي يدعو إليها أردوغان هي روح قبول المعارضة وإذعانها لمشاريعه الخاصة التي تستعدي مبادئ الجمهورية»، مشيراً إلى انتقاد أردوغان اتفاق لوزان التاريخي الذي وفر أسس الجمهورية التركية بعد الحرب العالمية الأولى، ودعوته إلى تمديد حال الطوارئ المفروضة منذ أكثر من سنة. وتابع: «لا يمكن أن يتنكر رئيس لتاريخ بلده. أردوغان يرفض كل ركائز الجمهورية، يريد السلطنة والخلافة والباب العالي في إسطنبول، ويرفض أنقرة العاصمة ومبادئ الجمهورية التي لولاها لما جلس اليوم على كرسي الرئاسة». وكان حزب الشعب الجمهوري اعتبر دعوة أردوغان لتمديد الطوارئ في شكل مفتوح «ضربة للديموقراطية، ومحاولة لإطالة الخروج عن القانون والديموقراطية في فرض القوانين والأحكام العرفية، وتوجهاً نحو أسلمة مؤسسات الدولة». وأشار الحزب إلى أن اختبارات المدرسين الجدد الذين يجري التعاقد معهم لملء الفراغ الذي خلفه طرد آلاف المدرسين المتهمين بالانتماء إلى جماعة غولن، «تمر عبر اختبار شفوي تطرح فيه أسئلة دينية كثيرة، وأخرى حول حياة الرئيس أردوغان وصفاته». وأعلن أن «أول عمل نفذه رؤساء البلديات الذين عينتهم الحكومة بدلاً من أولئك المنتخبين والمتهمين بالانتماء إلى جماعة غولن أو حزب العمال الكردستاني، هو إغلاق المسارح والمراكز الثقافية. كما قرر محافظ إغلاق جميع الحانات ومتاجر بيع الكحول تحت سلطة قانون الطوارئ، إضافة إلى إغلاق عدد من وسائل الإعلام ومحطات التلفزيون المعارضة بذريعة حال الطوارئ ومنها من لا علاقة لهم بجماعة غولن». وأفادت وسائل إعلام معارضة، رداً على تشبيه أردوغان تركيابفرنسا لتمديد الطوارئ، بأن «حال الطوارئ في فرنسا لا تسمح بسجن عشرات الآلاف، وطردهم من وظائفهم وإغلاق عشرات وسائل الإعلام». في المقابل، أعلن حزب الحركة القومية دعمه التام لتمديد الطوارئ، علماً أن زعيم الحزب دولت باهشلي كان استفاد من الإجراء للتخلص من معارضيه الذين يطالبون باقتراع داخلي لانتخاب زعيم شاب، إذ اتهم جميع معارضيه بالانتماء إلى جماعة الداعية فتح الله غولن، وطرد عدداً منهم من الحزب. وبرر وزير العدل بكر بوزداغ قرار الحكومة تمديد حال الطوارئ ثلاثة أشهر إضافية بطول الإجراءات القانونية والتحقيقات مع جماعة غولن، واكتشاف أطراف جديدة يومياً مع زيادة الانغماس في التحقيقات. وشنت قوات الأمن حملات اعتقال وتفتيش طاولت هذه المرة عدداً من المحاكم الجنائية في شاغليان وغازي عثمان باشا وبيوك شاكمجه، وسجن سيليفري، حيث أعتقل 87 موظفاً إدارياً وحارس سجن ومحققاً، في إطار الاشتباه في انتمائهم لجماعة غولن. وأعلن بوزداغ أن السلطات أوقفت 1500 من موظفي وحراس السجون عن العمل. وغداة إغلاق 20 قناة تلفزيونية ومحطة إذاعية تبث إحداها برامج للأطفال بتهمة نشر «دعاية إرهابية»، ما يزيد المخاوف من استغلال الطوارئ لتكميم وسائل الإعلام، قال حمزة أقطن، المحرر في تلفزيون «آي أم سي» المشمول في قرار الإغلاق إن «القنوات المحظورة لا علاقة لها بالانقلاب، والقرار محاولة لإسكات آخر وسائل إعلام مستقلة تغطي القضية الكردية والانتهاكات التي ترتكبها الدولة». وبث تلفزيون «آي أم سي» تقارير عن سلوك قوات الأمن خلال عمليات عسكرية لمدة 14 شهراً استهدفت حزب العمال الكردستاني المحظور، وأسفرت عن مقتل الآلاف. وقال روبرت ماهوني من لجنة حماية الصحافيين: «تستهدف السلطات جانباً كبيراً من حرية التعبير الثقافي والسياسي من خلال إغلاق قنوات إذاعية وتلفزيونية للأقليات، واعتبار حتى برامج الأطفال تهديداً للأمن القومي».