استغلّ زعيم المعارضة البرلمانية في تركيا كمال كيلجدارأوغلو إقرار الرئيس رجب طيب أردوغان ب «تقصير» رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان ليلة الانقلاب الفاشل، ليندّد بأسلوب «تعيين الموالين قبل المستحقين» في مواقع حساسة في إدارات الدولة. كما انتقد «سياسة العقاب الجماعي»، في إشارة إلى إقصاء عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام، في إطار حملة ل «استئصال» جماعة الداعية فتح الله غولن الذي يتهمه أردوغان بتدبير الانقلاب. لكن الرئيس الذي أشاد ب «نصر المؤمنين»، أعلن عزمه على ضخّ «دماء جديدة» في الجيش، ما فُسر بانه اعادة هيكلة الجيش، ووصف جماعة غولن بأنها «منظمة إرهابية انفصالية أخرى»، مقارناً إياها ب «حزب العمال الكردستاني». أما رئيس الوزراء بن علي يلدرم، فأكد أن «تركيا دولة قانون لا تتصرّف بمنطق الثأر»، لكنه تعهد محاسبة المتورطين «على كل قطرة دم». وزاد أن بلاده «ليست سورية ولا فلسطين». ووسط انتقادات أوروبية ودولية لحملة «التطهير» التي تشنّها السلطات التركية بعد الانقلاب الفاشل، لفت إعلان ستيفن شيبرت، الناطق باسم المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، معارضة بلاده «في الظروف الحالية فتح فصول جديدة» في مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. كما حضّ هورست سيهوفر، رئيس حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي الألماني، وهو حليف لمركل، الاتحاد على «وقف فوري» للمفاوضات، مشيراً إلى «تقويض تركيا سيادة القانون». وأضاف: «لا تتصرّف أي دولة ديموقراطية دستورية بهذه الطريقة». وأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه أبلغ أردوغان أن على أنقرة تقديم أدلة تدين غولن إذا أرادت تسلّمه، مذكّراً بأن «أميركا دولة قانون». وأكد أن واشنطن لم تتلقَّ معلومات استخباراتية مسبقاً بوقوع الانقلاب، ولم تتورّط به، مبدياً دعمه «حكومة مُنتخبة ديموقراطياً». لكنه شجّع تركيا على أن يكون التحقيق في المحاولة الفاشلة منسجماً مع حكم القانون، بما لا يؤدي إلى تقليص الحريات المدنية. إلى ذلك، اعتبر كيلجدارأوغلو أن «دور الاستخبارات كان سيئاً» في تعامله مع الانقلاب، مستدركاً: «هذا دليل ضعف وخطأ في الإدارة أيضاً، لا في الجهاز فقط. أردوغان هو مَن عيّن رئيس الاستخبارات من خارج الجهاز، وفشل في عمله. يجب تغيير سياسة تعيين الأكثر موالاة، والعودة إلى إسداء الأمر لأهله». وانتقد «سياسة العقاب الجماعي» في حق عشرات الآلاف من موظفي الدولة، بشبهة انتمائهم إلى جماعة غولن، وتابع: «يجب ألا نظلم أبرياء بذنب غيرهم. هذا لن يساعد في الإجهاز على الجماعة، بل سيكسبها تعاطفاً، وسيسأل بعضهم: ما الفرق بين الحكومة والانقلابيين؟». تصريحات زعيم المعارضة تتزامن مع تأكيد نواب من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم مشاركتهم في إسطنبول غداً في مسيرة ينظّمها «حزب الشعب الجمهوري» بزعامة كيليجدارأوغلو، رفضاً للانقلاب، وحديثهم عن فتح صفحة جديدة بين الحزب الحاكم والمعارضة. أما رئيس «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي صلاح الدين دميرطاش، فرأى أن «أخطاء أردوغان أدت الى وقوع المحاولة الانقلابية»، وتعهد مواصلة معارضته «القمع» الذي يمارسه. وزاد: «تركيا تعاني من اضطهاد أردوغان، والانقلاب الفاشل سيجعل الأمور أكثر سوءاً. في مواجهة الانقلاب ندعم الديموقراطية». وأقرّ وزير العدل بكير بوزداغ بأن الطوارئ سيتيح إبقاء أي مشبوه موقوفاً ل «سبعة أو ثمانية أيام» وربما لمدة أطول، فيما رجّحت وسائل إعلام إقامة محاكم خاصة لمقاضاة المتورطين بالانقلاب، علماً ان أملاكهم ستُصادر حتى نهاية التحقيق. وأضافت أن مئات من المدارس والمؤسسات التابعة لغولن ستُغلق، كما قد يُطرد الموظفون المرتبطون بجماعة الداعية من دون تعويض. في السياق ذاته، بثّت شبكة تلفزة تركية أن مذكرات توقيف أُصدرت في حق 300 من أفراد الحرس الرئاسي، مشيرة الى إلغاء 10 آلاف جواز سفر رسمي لأشخاص موقوفين أو قد «يفرّون». وعلى رغم طمأنة السلطات، استحضرت حال الطوارئ ذكريات مريرة لدى الأتراك، خصوصاً الطبقة الوسطى، إذ قالت محامية، وهي أم لولدَين تعيش في إسطنبول وتعتزم أن تهاجر في أقرب فرصة: «أعلم جيداً ماذا يعني ذلك من تعسّف في تطبيق القوانين، أو بالأحرى تجميدها كلياً، ولا أريد لولديَّ أن يمرّا بما مرّ به جيلنا». وأقرّ أردوغان ب «فجوات وأوجه قصور ضخمة في استخباراتنا»، معتبراً أن «لا جدوى من محاولة إخفاء ذلك أو إنكاره. قلت ذلك» لهاكان فيدان. ورجّح وقوع محاولة انقلاب أخرى، مستدركاً أن «هيكلاً جديداً سينبثق في غضون فترة وجيزة جداً» في الجيش، «يضخّ دماء جديدة في القوات المسلحة. عليها الآن أن تستخلص دروساً مهمة جداً. هذه عملية مستمرة ولن نتوقف».